هل يعود التطرف للشرق الأوسط وسط الظروف الإقليمية الخطرة؟

علي بن حمد الخشيبان

الضغط الدولي والإقليمي لمحاربة التطرف يشكل إغلاقاً مباشراً للكثير من الأبواب ذات العلاقة بالتطرف، ولكن ذلك أيضاً يتطلب فتح أبواب فكرية وإصلاحية أخرى ولكن هذه الأبواب تشترط عدم تغيير التخصص الديني المتباين في الأفكار والتفسيرات..

أُدرك أن هذا السؤال غير مرغوب فيه أبداً، فهناك مشاعر إقليمية ودولية تحاول أن تتخطى هذه الفكرة بسرعة فائقة أكبر مما يجب عبر الإعلان الدائم بأن خطر التطرف إلى زوال، ولكن الاستثناء المطلوب هنا هو التفكير الفاصل بين الأمنيات وبين الحقائق، حيث يبدو أن الحل العسكري في المنطقة لمحاربة التطرف ليس كافياً لانتزاع الأيديولوجيا المتطرفة بشكل كامل، فقد تعود هذه الأيديولوجيا على شكل متطلبات إصلاحية أو مسارات للتغيير يتم تداولها في المنطقة بأكملها.

بالنسبة للشعوب العربية والخليجية مازال الأمر مرتبكاً في معرفة الفرق بين التطرف والاعتدال، وخاصة العلاقة المعقدة بين الدين الإسلامي الذي يشكل الركيزة الأساسية للشعوب العربية، وبين مسارات التطرف التي ظلت توفر دعمها الأيديولوجي من فقرات التراث الديني عبر تفسير محدد للقضايا الدينية، من أجل ذلك تظل العلاقة دائماً معقدة وغير مفهومة بين التفسيرات وبين الممارسات وهذا يتطلب التفكير جدياً بالبدائل المقترحة للسائد التاريخي من التراث.

الظروف الإقليمية والمحلية الخطرة التي أصبحت تهدد الأمن القومي للكثير من الأوطان العربية تجعلنا نفكر في تلك المخاطر، وهل يمكن أن نحصل على منتج جديد من التطرف يمكنه التأثير على المجتمعات العربية المسلمة، هناك فكرة مهمة يجب عدم إهمالها عند الحديث عن تلك المخاطر تتمثل في التباين الشديد في الفهم الديني بين الشعوب العربية الإسلامية تحديداً.

وهذا التباين يوفر في الحقيقية بيئة خصبة قد تمهد لنشوء أيديولوجيا متطرفة لمرات قادمة كما حدث مع القاعدة وداعش، وقبلها التاريخ الإسلامي المليء بالأمثلة، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا التباين لا يبدو أنه يمكن التخفيف من حدته ببساطة أو عبر الحلول الإصلاحية المباشرة، نظراً لأن الإسلام بطبيعته الفكرية التي أُنتجت في القرنين الثاني والثالث الإسلامي أسالت الفكرة الدينية التي التزمت بها النصوص القرآنية عبر استخدام تفسيرات انطلقت من الأحاديث النبوية التي جمعت فقط بعد مئة عام تقريباً بعد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.

الضغط الدولي والإقليمي لمحاربة التطرف يشكل إغلاقاً مباشراً للكثير من الأبواب ذات العلاقة بالتطرف، ولكن ذلك أيضاً يتطلب فتح أبواب فكرية وإصلاحية أخرى ولكن هذه الأبواب تشترط عدم تغيير التخصص الديني المتباين في الأفكار والتفسيرات، بمعنى دقيق مشروعات الإصلاح والتغيير قد تعاني من أزمة الموازنة بين متطلبات الأمن القومي لتلك الدول وبين متطلبات الإصلاح الفكري المهم للتخفيف من التفسيرات المتطرفة للدين الإسلامي تحديداً.

مواجهة جماعات الإسلام السياسي اجتماعياً وفكرياً أكثر تعقيداً من مواجهتها عسكرياً، ولمواجهة هذه التحديات لابد من تعميق الإصلاحات الاقتصادية وخاصة في دول الخليج ذات النسبة الأكبر من الشباب، بجانب التركيز على بناء اجتماعي وثقافي يمكنه مواجة الأسئلة الحادة الناشئة من عمق البناء الأيديولوجي للمجتمع، بمعنى دقيق: البحث عن الإجابات وتفنيد الأسئلة المجتمعية حول جدوى الإصلاح والتغيير أهم من أي شيء آخر.

عبر التاريخ لا يمكن الوثوق أبداً في نهاية قطعية للتطرف المرتبط بالأديان، وقد عانت ومازالت الأديان السماوية الثلاثة تعاني من وجود متطرفين بين معتنقيها، ولكن الحد من هذه الأفكار في عالمنا العربي المسلم أكثر تعقيداً فالبيئة التراثية والفكرية أكثر تهيئة لميلاد مسارات جديدة للتطرف قد تتخذ أشكالاً متعددة.

المنطقة العربية وهي تعاني بشدة منذ عقد مضى لديها ثلاث متطلبات حاسمة لكي تتعرف على أسباب عودة التطرف الممكنة للمنطقة، وتساهم في تقويض إمكانات المتطرفين، حيث لديهم الخبرة في العمل المباشر مع المجتمعات عبر نقلها بشكل مباشر نحو الإصلاح وتغيير الحياة لصالح تلك الشعوب، مع إدراك عميق أن هذا الأمر ليس بهذه البساطة، ولكنه ممكن لأن الفرص القائمة قد يصعب تكرارها مستقبلاً.

أولا: العمل المباشر مع الشعوب دون وسطاء سوف يوفر الثقة الكاملة بالحكومات بمعني دقيق، التوازن بين القدرات والإمكانات التي تستطيع تلك الشعوب استيعابها والتكيف بشأنها، ثانيا: تشكيل الأهداف الإصلاحية نحو جودة الحياة فهذا المصطلح هو الوسيلة العقلانية الأكثر تأثيراً في الأفراد حيث الخيارات محدودة مقارنة بالأيديولوجيات السائدة حول جودة الحياة التي توفرها، بمعني دقيق، تكثيف الأسئلة حول جودة الحياة بشكل حقيقي ومتطلبات الإنسان الحديث لتغطية، وللقضاء على الأفكار المتأصلة حول الزهد بالحياة وعدم الاهتمام بها، ثالثاً: مراقبة النتائج السياسية التي تنتجها المنطقة بشكل مستمر، بفعل وجود قوى هدفها تأجيج الشعوب عبر التطرف، كما تفعل إيران وجماعات الإسلام السياسي، بالإضافة إلى القوى المحلية في بعض المجتمعات التي تتبنى أفكار التشدد في مناهضة غير مباشرة لعمليات الإصلاح.