عبدالله محمد الشيبة 

«إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد، فيجب وضع الحصان أمام العربة». تلك من أشهر أقوال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حول الاقتصاد وأهميته الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة. ويوماً بعد يوم نجد ترجمة تلك المقولة عملياً وعلى أرض الواقع مما ساهم بصورة رئيسة في تبوأ الإمارات مراكز الصدارة في التنافسية العالمية. وقد جاءت حزمة القرارات الاقتصادية التي اعتمدها مجلس الوزراء مؤخراً انعكاساً لاستراتيجية الدولة في ترسيخ تنافسية بيئة الأعمال محلياً ومنح القطاع الخاص المزيد من الثقة، والذي عليه أن يتحلى في المقابل بالمزيد من المرونة والانفتاح نحو المساهمة في تحقيق أهداف الدولة في مجال التوطين.

وقد تضمنت القرارات الاقتصادية إلغاء إلزامية الضمان المصرفي لاستقدام العمالة واستبدالها بنظام تأمين منخفض التكلفة ورد 14 مليار درهم ضمانات مصرفية لقطاع الأعمال. ‬ويعكس ‬ذلك ‬النظام ‬تحولاً ‬استراتيجياً ‬ونقلة ‬نوعية ‬في ‬سياسة ‬حماية ‬الحقوق ‬العمالية ‬في ‬الدولة ‬لتكون ‬من ‬أوائل ‬الدول ‬في ‬العالم ‬التي ‬تضمن ‬رواتب ‬العاملين ‬في ‬القطاع ‬الخاص، ‬إضافة ‬إلى ‬أن ‬ذلك ‬النظام ‬سوف ‬يعمل ‬على ‬خفض ‬تكاليف ‬تشغيل ‬العمالة ‬وتخفيف ‬الأعباء ‬على ‬أصحاب ‬العمل.

أضف إلى ذلك قيام مجلس الوزراء بإصدار قرار منح إقامات مؤقتة من دون رسوم لمدة 6 أشهر للمخالفين الباحثين عن عمل، وكذلك السماح للموهوبين والدارسين بتمديد الإقامة لمدة سنتين بعد التخرج لدراسة خياراتهم المستقبلية، مما سيساهم في تمكين تلك الفئات من البحث عن فرص عمل تناسب تطلعاتهم وطموحاتهم، خاصة في ظل تقلص فرص العمل في بلدانهم.

تعكس تلك القرارات استراتيجية الدولة في المجال الاقتصادي، والتي ترمي من ضمن أهدافها إلى ترسيخ البيئة الاستثمارية الآمنة وتوفير كافة التشريعات والقوانين والأنظمة التي تكفل لرجال الأعمال ممارسة تجارتهم بلا عوائق أو تحديات. ومن جانب آخر، تهدف القرارات الأخيرة ضمان الاستقرار العائلي لفئتين على درجة كبيرة من الأهمية. الفئة الأولى، الطلبة الدارسين الموهوبين والذين منحهم أحد القرارات فرصة الاستمرار في البقاء في الدولة للبحث عن عمل، مما سينعكس بالإيجاب على ذويهم كما سيمنح سوق العمل ميزة تنافسية بوجود هؤلاء الموهوبين في وظائف تتطلب مهارات استثنائية. أما الفئة الثانية فهي هؤلاء المخالفين الذين يعيشون في الدولة برفقة عائلاتهم، والذين سيتمكنون من البقاء 6 شهور للبحث عن عمل جديد وبالتالي يتجنبون الانفصال عن بقية أفراد أسرهم.

تلك هي قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتبع أسلوباً علمياً واقعياً يدرس متغيرات الأوضاع الاقتصادية محلياً وإقليمياً وعالمياً، وتتخذ القرارات التي تراعي كافة التطورات وتعزز الثقة بصورة متزايدة في الدولة. وهنا لابد لنا من التطرق لقضية على درجة كبيرة من الأهمية الاستراتيجية للدولة والمواطنين، ألا وهي التوطين. تلك القضية التي تحتل مساحة عظمى من سياسات الدولة في سوق العمل، وتحظى باهتمام رسمي كبير. فمن المعلوم أن من أولويات سياسة التوطين هي التركيز على تسهيل دخول المواطنين الباحثين عن عمل لسوق العمل الخاص، وتشجيع أصحاب الأعمال على منح الفرص لهؤلاء المواطنين لإثبات تميزهم وأحقيتهم في الحصول على الوظيفة والاستمرار فيها. ولكن بعض التقارير الرسمية الصادرة مؤخراً تشير إلى تدني نسبة التوطين مما يعرقل جهود الدولة في هذا المجال، ولكن في ظل الآثار الإيجابية للقرارات الاقتصادية الأخيرة، فإن الأمر يستوجب تحركاً قوياً وسريعاً من أصحاب الأعمال للمساهمة في إنجاز أهداف التوطين.

ولذلك، يحدوني الأمل بصورة كبيرة أن يقوم القطاع الخاص بالإعلان عن مبادرات وبرامج وطنية لمساعدة وزارة الموارد البشرية والتوطين على تحقيق معدلات التوطين السنوية المطلوبة طالما أن الحكومة لا تدخر وسعاً في توفير البيئة الاقتصادية السليمة لهذا القطاع.