أليس هذا الشهر الفضيل فرصةً سانحةً ليتطارح المسلمون أسئلةً لولا المناسبات الكريمة، لكان طواها النسيان؟ الأسئلة البسيطة في الحقيقة، هي الأسئلة الكبرى. في العلوم معنى بعيد. أبسط ذرّة في الكون هي ذرّة الهيدروجين، لها بروتون وحيد، لكن طاقتها هي الأقوى. سؤال بسيط: هل المسلمون هم الإسلام؟ إن قلت: لا وكلاّ، فكيف ولماذا؟ وإن قلت: نعم وأجل، فهات برهانك.

لا شأن لنا بمقولة الشيخ محمد عبده: «وجدت في الغرب إسلاماً ولم أجد مسلمين، ووجدت في الشرق مسلمين، ولم أجد إسلاماً». لو عاش أيّامنا بعقودها المرّة المريرة، لندم على قولها. هل لعاقل أو مجنون أن يرى الإسلام في حلقات مسلسل الفناء في هيروشيما، ناجازاكي، فيتنام، يوغسلافيا، أفغانستان، العراق، ليبيا، سوريا، السودان، إلى غزّة وما سيعقبها من كل هزّة. لكن، من حقك أن تسأل، في شأن الشطر الأخير من المقولة: كيف انطباقها اليوم بعد مرور 143 سنة على إطلاق صاعقتها؟ أتُراها اليوم أبلغ؟ هل يذكر المسلمون اليوم مجلة «العروة الوثقى»، التي أصدرها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس، بين مارس وأكتوبر 1884؟ لم يُطقها الإنجليز فصادروها في مصر والهند فتوقفت. هل يذكر المسلمون دور الهند في نشر الفكر الإسلامي باللغة العربية؟

لك أن تنفجر صائحاً في وجه من يرى أن الدول الإسلامية السبع والخمسين، خريطتها من جزر إندونيسيا إلى جبل طارق، شيء، والمهابة الهادرة الجيوسياسية والجيوستراتيجية، الجديرة بمكانة العالم الإسلامي بمسلميه المليارين، شيء آخر، وأنه شتّان ما بين ما هو كائن، وبين ما يجب أن يكون. لك أن تقول له: ويحك، ألا ترى تلال القرارات والتوصيات على مرّ السنين؟ ألا تملأ عينيك مئات ملايين موائد الرحمن، التي لو أحصَيْتَ ما يُلقى منها، لصارت جبال الهيمالايا بإيفريستها أقزاما؟ إلاّ غزّة طبعاً، فتلك هي المستثناة لأن التجويع هو القاعدة.

الأمر هيّن، لو اقتصرت القضايا على خمود جذوة العلاقات بين البلدان الإسلامية، على طريقة: «بردت قهوتنا، وانتهت قصّتنا»، فالمؤلم حقّاً هو أن هذه الخريطة المَجرّيّة، النجومية النفوس، تكفي وخزة شوكة كاذبة، من قبيل ألاعيب الإرهاب والتطرف، لتجريدها من كل القيم والقوى، التي وحّدتها قروناً حول كلمة توحيدية واحدة. اليوم كل تلك الأواصر الروحية الفكرية الاستراتيجية، تتمثل في مواد استهلاكية. لغتنا لم تجد جذراً أنسب للاشتقاق، من ثلاثي «ه ل ك»!

لزوم ما يلزم: النتيجة الاعتذارية: اليوم، كان العمود تراجيديّا، أمّا الكوميديا فيجدها طالبها في الواقع.