أليس الموضوع أمس «تكرار بطريقة مختلفة»، نافذةً على مسالك شتّى؟ ذلك البيت القديم يطرح مسألةً نقديةً ساخرة: «إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ.. وجاوزهُ إلى ما تستطيعُ». بعد أكثر من ألف عام على قيام علوم اللغة العربية، تجد أنظمة التربية والتعليم معلميها وأساتذتها عاجزين عن تعليم العرب لسانهم. اليوم نحن أمام ملايين المواقع على وسائط التواصل، وقد عقدت العزم على أن تسفع بناصية العربية كأن لها ثأراً من القواعد.

حتى لا يغرق التربويّون في تعقيدات القواعد،عليهم أن يدركوا أن طريقة تدريس النحو شيء، وبنيان اللغة ذاته شيء آخر. الأساليب تختلف أو يجب أن تختلف من عصر إلى آخر. قبل التوضيح المقصود نعرّج على العلوم في ميدان كونيّ. لا شك في أن فيزياء الكون لم تتغير منذ كان الكون، ولو تغيّرت منذ الانفجار العظيم لانهدم البنيان المادي مراراً، من الذرّة إلى المجرّة. لكن كم مرة تغيرت مفاهيم الإنسان لقوانين الفيزياء؟ فهم الإنسان يتطور، لا القوانين الفيزيائية. كذلك بنيان العربية لم يتغير، فهم النحاة للقواعد تغيّر كم مرة. من هنا كانت اختلافات علماء اللغة بين الكوفيين والبصريين وغيرهم. كذلك الاختلافات بين المذاهب الإسلامية بينما القرآن واحد. الفوارق لا تخلو من الدعابة، فهي تتمثل أحيانا في تباين تأويل أداة أو حرف أو كلمة.

عجيب أن أكثرية شواهد النحو في الكتب المدرسية، مقتطفة من نصوص شعرية ونثرية لم يعد لتراكيبها وجوه استعمال في حياتنا، ولا في الكتابات الأدبية ووسائط إعلامنا. الجاحظ قبل ألف عام أوصى «بعدم تعليم الصبيان من النحو إلاّ ما يحتاجون إليه في حياتهم اليومية». هذه المشكلات لها حل. على الفضائيات أن تشارك في دفع عجلة التطوير، للأسف «ها السيارة مش عم تمشي.. بدنا حدا يدفشها دفشة». تدعو نخبة من نقاد ولغويين يتناولون مقرر اللغة صفحة صفحة. يقيناً، أكثرية أولياء الأمور لم يطّلعوا على دروس النحو التي يعانيها الطلاب، ولو اطّلعوا عليها لولّوا منها فراراً ولملئوا رعباً.

لزوم ما يلزم: النتيجة التجريبيّة: أربعمئة مليون لا توجد بينهم مدارس تجرّب مخاطبة الصغار بالفصحى منذ التمهيدية. ما هي القفزات العملاقة المترتبة؟ إنها كرة ثلج تقلب كل المفاهيم والآليات، وتصحّحها.