وليد عثمان منذ بداية المواجهات الروسية الأوكرانية قبل أكثر من عامين، لم تتوارَ الخشية من تمددها إلى دول مجاورة واتساع رقعة النزاع إلى مرحلة تهدد القارة الأوروبية، وبالضرورة بقية العالم الذي سيصبح مجبراً على خوض حرب عالمية ثالثة؛ إذا قرر طرف أو أكثر تفجير الوضع ودفع الجميع إلى الانتحار.

مما يُحمد أن ذلك لم يحدث حتى الآن، والأمل ألا يحدث، فتأثيرات هذا الصراع الروسي الأوكراني، بغير هذا السيناريو المفترض لحرب عالمية جديدة، كبيرة ومنهكة اقتصادياً، وسياسياً، وإنسانياً في كل القارات، فما بالنا إذا اتسع وأصبح عصيّاً على التطويق؟ أكثر الخائفين الآن من هذا السيناريو بولندا التي تحتفظ ذاكرتها السياسية بآلام انطلاق الحرب العالمية الثالثة وبدايات صور الدمار المترتبة عليها. ولعل بولندا الكيان الأوروبي الوحيد التي تجاوزت مسألة التحذير إلى الإقرار بأن العامين الماضيين، أي زمن الصراع الروسي الأوكراني، هما مقدمات الحرب في القارة العجوز.

دونالد توسك، رئيس الوزراء البولندي، وضع عيناً على الماضي وأخرى على الحاضر ليقول في تصريحات صحفية إن الحرب أصبحت واقعاً في أوروبا منذ عامين.

ورغم أنه نفى أن تكون هذه التصريحات بهدف إخافة أحد، فإنه قصد بها ذلك، أو على الأقل نقل خوف بلاده إلى الآخرين ليكونوا أكثر حسماً في مواجهة روسيا التي تكثف ضرباتها على أوكرانيا منذ تعرض موسكو لهجوم، وهذه الضربات تهدد أيضاً جيرانها، بما فيهم بولندا.

توسك اختار أن ينقل خوفه، أو تحذيره، عبر ثماني صحف أوروبية، وهو يرى عودة شراسة الضربات الروسية وانشغال الجانب الأمريكي بما يجري في غزة وتداعياته في الشرق الأوسط، والانتخابات الرئاسية المقررة نهاية العام.

ربما أيضاً أراد استفزاز الأوروبيين ليضغطوا أكثر على الجانب الأمريكي لوضع نهاية ما للحاصل في أوكرانيا بشكل لا يعني خسارتها، لأن هذه الخسارة ستكون بداية فقدان أوروبا كاملة الأمان، حسب قوله.

الخوف من توابع الصراع الروسي الأوكراني سيطر على بولندا منذ أيامه الأولى، وتحسبت لاحتمالات أن تكون هدفاً تالياً لروسيا، لذلك كانت سابقة في دعم أوكرانيا واعتبرت ذلك وقاية لنفسها.

وبعدها مرت العلاقات البولندية الأوكرانية بانعطافات حادة بلغت حد التهديد بوقف دعم كييف في مواجهة موسكو. وكانت الحبوب محور خلاف بين الطرفين نهايات العام الماضي، فبولندا ممر للصادرات الأوكرانية منها إلى الخارج، غير أنها رأت في ذلك ضرراً بإنتاجها وتسببت التصريحات المتبادلة في هذا الشأن في أزمة، لكن أمكن تجاوزها وتخطي ما هو أخطر من ذلك حين وصف الرئيس البولندي أوكرانيا برجل يغرق ويسحب معه الجميع.

هذه الخلافات كانت ترضي روسيا وتعتبرها من علامات التصدع في المعسكر الداعم لأوكرانيا. ومن المصدر ذاته، تعود التحذيرات من خطر محدق بأوروبا التي تعيش ما قبل الحرب، بحسب بولندا أول دولة عاشت بدايات الحرب العالمية الثانية، قصفاً ورعباً.