تقرأ لشعراء وشاعرات من أمريكا ذوي أصول إفريقية وآسيوية، ومن ذوي الدم الهندي الأحمر (أهل البلاد الأصليون)، فتشعر أنك تأكل خبزاً أو تأكل طعاماً فيه ملح. وتقرأ شعراً أو كثيراً من شعر والت ويتمان، الابن الشرعي للولايات المتحدة الأمريكية، فتشعر أنك جائع لذلك الخبز المالح، لا بل ستشعر بذلك السأم الذي يتولد أحياناً عند المرء وقتما يقرأ أدباً عنصرياً مكشوف الوجه والذراعين.

نقل الشاعر والمترجم د. عابد إسماعيل 23 شاعراً وشاعرة إلى اللغة العربية، ويقول إن هؤلاء ينتمون في أغلبيتهم إلى الجيل الشعري الأمريكي الجديد المولود بعد الحرب العالمية الثانية.

من هذه المختارات الأمريكية اقرأ، إذا أردت شعراً كذلك الخبز الأسمر الذي فيه ملح وخميرة للشاعرة جيوفاني، ذات الأصول العرقية الإفريقية، اقرأ بعيداً عن غرور ويتمان وأمريكيته الغليظة: «ولدتُ في الكونغو/مشيت إلى الهلال الخصيب/وبنيت تمثالاً لأبي الهول/صممت هرماً قوياً جدّاً/ نفرتيتي هي ابنتي الكبرى/ودموعي التي ذرفتها أثناء مخاض الولادة/خلقت النيل/وأنا امرأة جميلة». (ترجمة: د. عابد إسماعيل).

تحب في هذا الشعر بساطته، وسرديته الحكائية التي تقترب إلى حدود الهمس والاعتراف والمذكرات. كل شيء مرتب ولامع ونظيف. لا عُقَد ولا مبالغات، فقط التماهي مع الكائنات السريعة الخفيفة مثل الغزلان. تقول السبعينية السمراء جيوفاني: «حدّقت في الغابة وأحرقت رمال الصحاري/وبمؤونة من لحم الماعز وبعض الملابس/عبرت الصحراء خلال ساعتين/ أنا غزالة جدّ سريعة/سريعة بحيث لا يمكنك اصطيادي».

حتى الشعر السريع لا يمكن اصطياده هو الآخر، تماماً مثل غزالة جيوفاني، والسرعة في الشعر لا تعني خفة المفردات وسباقها الأبجدي أو اللغوي في النصف الذي هو روح الشاعر، بل السرعة هي العفوية التي تشبه براءة وبياض الطفل، أي بكلمة ثانية، الماء الانسيابي الجرياني في الشعر: «في عيد ميلاده كان في الثالثة/أهديت ابني هانيبعل فيلاً/ في عيد الأم أهداني هو روما/ منذئذٍ وقوّتي تتدفق/نوح.. ابني/ بنى سفينة جديدة/ وقفت بكبرياء وراء الدفة/ حين أبحرنا ذات يوم صيفي ناعم».

تقول جيوفاني إن أحشاءها تنجب اليورانيوم، والمادة المطحونة من أظافرها مجوهرات.. وأياً كانت، صادقة أم مغرورة، ففي شعرها ملح وقمح وخميرة.