هي لحظة قد تقلب حياة الإنسان رأساً على عقب، تنقله من حال إلى حال من دون تخطيط ولا سابق إنذار، وهناك أعمال ومواقف يمارسها الإنسان عفوياً، تبرز وتسلط عليها كل الأضواء، من دون علمه وبلا تخطيط منه فتتحول من موقف شخصي إلى حدث يستوقف كل الناس، وكأنها علامات يريد منها الخالق لفتنا، كي نفهم منها رسائل إنسانية كثيرة، ونتمسك أكثر فأكثر بكل الخير الكامن في دواخلنا، ولا نتردّد في المبادرة لفعل أي عمل إنساني وفي أي وقت ومن دون انتظار المقابل.

لم يكن يعلم عبدالله مدلول العنزي، أن رد فعله العفوي والسريع وهو يقود سيارته في أحد الشوارع في المملكة العربية السعودية، وعند الفجر، حين فوجئ بوجود طفل لا يتجاوز الثلاثة أعوام يعبر الشارع وحيداً، فأوقف سيارته بالعرض، أدى إلى اصطدامها بسيارة آتية من عن يساره بسرعة فائقة، ليحمي الطفل من دهس وموت محتوم.

لم يكن يعلم أن إنقاذه للطفل سيجعل منه بطلاً يتحدث عنه الناس على «مواقع التواصل»، وتنهال عليه الاتصالات والهدايا والمطالبات بجعله الرجل الأكثر شهرة على تلك المواقع.

موقف إنساني نبيل، وسرعة بديهة أنقذا حياة طفل شارد في الشارع وحيداً، وجعلا من المنقذ بطلاً ورجلاً مشهوراً، ورمزاً للعمل الإنساني والأخلاق والوعي في تحمّل المسؤولية وحسن التصرف في الشارع؛ بل دفع كلاًّ منّا ليسأل نفسه: «هل كنت سأجيد التصرف وتسعفني سرعة البديهة لديّ لأحول دون دهس الطفل بجعل السيارة المجاورة تصطدم بسيارتي ولا أكتفي بمنع نفسي من دهس الطفل العابر؟».

التوقف العرضي منع الأذى عن الصغير، بينما عرّض السائق عبدالله المدلول، لخطر الإصابة، وتسبّب بضرر سيارته، تضحية قد لا يجيدها كل سائق بل وكل إنسان، وطريقة حماية للمارّة، قد لا يدركها كل الناس، وإحساس عالٍ بالمسؤولية تجاه الآخرين قد لا يتحلّى به معظم الناس.

العمل الإنساني ثقافة راسخة في الإمارات، وما فعله العنزي، يذكرنا بكل النماذج الإيجابية صاحبة الأيادي البيضاء التي تحرص الإمارات على الإضاءة عليها وتكريمها، فكل عمل إنساني سواء كان فردياً أم لا، له تثمينه في دولة تسعى باستمرار إلى خلق المبادرات، وتقديم الجوائز لصنّاع الأمل الذين يبادرون من أنفسهم لمساعدة الآخرين، وانتشالهم من مآسيهم.

كل عمل إنساني يجب أن يلقى صدى واسعاً؛ لأننا نحتاج إلى تقديم كل نموذج إيجابي أينما كان في العالم، ليلقى تكريماً وثناء، علّه يصبح نموذجاً يحتذيه الجميع، وليس الصغار أو الشباب فقط، وليصبح بطلاً مشهوراً على «مواقع التواصل»، كي يتعلم الناس كيفية المبادرة لفعل الخير، خصوصاً في المواقف الصعبة، وكيفية التصرف لإنقاذ حياة إنسان في أي مكان وفي أي موقف.