لعل أسوأ صفة على مر العصور هي الخيانة والغدر، ذلك أن تأثيرها قد يتسبب في انهيار أمم واندلاع الفتن وانتشار الفوضى، فالخيانة هي سلوك غير سوي ينطلق من حقد دفين موجه ضد كل ما يحيط بالخائن، والخونة يسهل شراؤهم وتحريكهم كالدمى، وخيانة الوطن من أشد الجرائم إثماً وأسوأها عاقبة، والخائن لوطنه هو خائن لنفسه ولأسرته وللمجتمع بأسره، والنفس غير السوية لا يمكن أن تحركها المبادئ والقيم الإنسانية، فالغاية عندها تبرر الوسيلة.

يحاول أن يطلق خونة الأوطان على أنفسهم العديد من المصطلحات الرنانة كالإصلاحيين والنشطاء لتجميل صورتهم وعرض أنفسهم أمام الرأي العام العالمي كمواطنين شرفاء يبحثون عن الحرية لأوطانهم، والجدير بالذكر أن كل هؤلاء أجنداتهم واحدة وأهدافهم مشتركة وإستراتيجيتهم لا تتغير، فهم المتربصون المترصدون دوماً لهفوة هنا أو زلة هناك، وهم من يستشيطون غضباً وتكفهر وجوههم عند حدوث أي إنجاز.

وبقدر ما يمتطي هؤلاء المعارضون صهوة فرسانهم بصلف وعجرفة تجاه أوطانهم بقدر ما يتذللون ويطأطئون رؤوسهم بخنوع أمام الدول التي تؤويهم وتستضيفهم لأهداف معروفة، وينفذ هؤلاء المعارضون خطط الدول التي تؤويهم من خلال تسديد طعناتهم لأوطانهم الأم، وتستخدم الدول هؤلاء المعارضين كسلاح مؤقت وبعد أن تستنفد مخزونهم ويصبحون بالنسبة لها عالة يصعب حملها، تلقي بهم خارج بلادها غير مبالية بمصيرهم، ويظل هؤلاء هائمين على وجوههم من بلد لآخر باحثين عمن يحتاج لخونة ولمن يدفع أكثر أيضاً.

ولأن لكل زمرة من هؤلاء المنشقين توجهاً ومنفعة خاصة به، لذلك هو لا يريد إشراك الطرف الآخر في تنفيذ أجندته الخاصة، ولا يريد لأحد أن يطلع على أسراره المشبوهة، ولذلك ترى لكل زمرة منهم خصومة واختلافاً مع الأخرى، ولكن القاسم المشترك بينهم هو النية والعزم في هدم أركان المجتمع الذي خرجوا منه، وحتى لو أظهر هؤلاء نوعاً من التودد لبعضهم البعض من خلال التقاط بعض الصور التجميلية فهي ليست إلا محاولة لإظهار أن مراكبهم تسير وليست عالقة في المياه الضحلة.

يسعى هؤلاء لتسويق أنفسهم على أنهم على قلب رجل واحد، غير أنه من المؤكد أن لكل فرد منهم خزينة أسرار تحوي خيانته لا يرغب أن يطلع عليها الآخرون، وكل فئة منهم لا ترغب في أن تشاركها أي جهة أخرى في التمويل المخصص لها، ومهما حاولوا إظهار الود لبعضهم البعض فلا شك أن الشك والريبة والخوف والقلق يجري في عروقهم مجرى الدم.

ما يثير الاستغراب بل والاشمئزاز أيضاً هو أن الكثير من تلك الوجوه قد نالوا بالفعل تقدير واحترام المملكة وطنهم الأم، فبعضهم نشأ وتعلم وترعرع في المملكة ثم تم ابتعاثه للخارج ليعود ليخدم وطنه وشعبه، غير أن الإغراءات القوية للاستمرار في العيش بتلك الدول التي ابتعثوا إليها، بالإضافة لضعف شخصياتهم ونزعتهم الغريزية للخيانة والطمع وحب الظهور، كل ذلك جعلهم يميلون للانسلاخ من مجتمعهم وأوطانهم أملاً منهم في الحصول على جنسية تلك الدول التي أقاموا فيها، وما نذكره هنا ليس افتراءً عليهم ولا استنتاجاً منا، فالكثير منهم يعترف بحصوله على جنسية الدولة التي اتخذها وكراً لإعلان الحرب على وطنه الأم.

من المؤكد أن هؤلاء ليسوا قامات علمية ولا من أصحاب براءات الاختراع ليتم منحهم الجنسية، فيكفيهم توجيه الشتائم والسباب حتى يظهروا خيانتهم ونقمتهم، وأكاد أجزم بيقين أن الكثير من هؤلاء يرددون ما يقولونه بدون وعي منهم ولا فهم لمدى خطورته، ونبرات صوتهم يظهر فيها الحقد الدفين والغرور والعجرفة، ولا شك لدي في أنه لا طائل من وراء هؤلاء ولا أمل في أن يعودوا لجادة الصواب، فهم مصابون بالغرور والميل للخيانة على نحو غريزي.

لكل دولة فئة مثل هؤلاء ممن هربوا لتحقيق أجندة خارجية بذريعة الإصلاح وحماية حقوق الإنسان وغيرها من الشعارات ذات البريق اللامع، ويكفينا أن نتساءل عما قدم هؤلاء لأوطانهم سوى الردح على المنابر، وبكل أسف نجح بعض هؤلاء المنشقين من بعض الدول العربية في تحقيق الهدف المخطط لهم، ويكفينا أن ننظر ونقرأ الواقع المأساوي في الدول العربية التي مزقتها الحروب الأهلية لنرى كيف أصبح المواطن هناك غريباً في بلده، غير أن الأمل معقود على المنابر الثقافية والتوعوية في فضح ضلالاتهم وتعرية أكاذيبهم، وذلك حتى لا يتأثر الشباب الغر صغير السن بمثل تلك الترّهات.