كل ظواهر الحياة البرية الجبلية وكائناتها وحجارتها، وأوديتها، وطرقها الممدودة بين أنفاق عديدة تخترق الجبال، والمدرّجات النباتية القائمة في السفوح والمرتفعات والأشجار، وفضاءات الغيم القريبة من رؤوس الجبال، وتوزيعات الضوء والظل، وخلايا النحل، وطبيعة الحيوانات والحشرات ومسارات الطير، وأوطان الفراشات، والنبات المزهر، والشجيرات المثمرة، ومنابع الماء في رؤوس الجبال، أو ذلك الماء القادم من بين طبقات صخرية يعرفها الجغرافيون والجيولوجيون.... كل ذلك ثقافة. كل ذلك ينطوي على قصص، وسرديات، وحكايات شعبية شفوية، والقليل القليل من هذا الكتاب الجبلي مُدوّن بأقلام بحّاثة جبليين ميدانيين.

كل هذه المادة الثقافية الجبلية لها مُعادل معرفي علمي وتخصصي جاء به، وجاء عليه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في أحاديث سموه بالتفصيل وفي مناسبات عديدة، ثقافية وجامعية وعلمية وشبابية، ما شكّل أمام الكاتب والمثقف والأديب والفنان والأكاديمي والباحث عتبات ومداخل رحبة تتيح الالتقاء بثقافة سموه التنوّعية في التاريخ الجغرافي، والمعرفة الجيولوجية بالجزيرة العربية وأرض الإمارات، ومعرفة الأودية والأنهار والأفلاج وأحوال الطقس والجو، والتنوّع النباتي في الإمارات والكائنات الحية في الصحراء وفي المحميّات، ومعرفة الرياح، والصفائح الأرضية والأمطار. وبالطبع، إلى جانب هذه الثقافة البيئية والجبلية والصحراوية تحضر دراسته لعلوم الزراعة في مصر.

هذه منصة ثقافية مفتوحة في مكتبة صاحب السمو حاكم الشارقة وفي أحاديث سموه «راجع الأجزاء السبعة 1972-2018»، وإذ أشير الآن إلى هذا المكنز المعرفي العلمي، فلأنه رافد بالغ الأهمية لمن يجد أهمية علمية ووطنية وثقافية في فتح ملف جماليات وثقافات المكان الجبلي في الشارقة.

المكان الجبلي في الشارقة، ومن خلال الطرق المقامة داخل الجبال، وعبر العديد من الأنفاق هي أيضاً أعمال فنية.

الطريق الجبلي في الشارقة ليس مجرّد طريق مواصلات، بل هو عمل فني أيضاً، عمل هندسي، وتشكيلي على مدى رؤية بصرية وتأملية أفقية وعمودية. من هذه الزاوية الجمالية والمكانية، يمكن قراءة الجبال قراءة ثقافية تقترب في مهنيتها مما هو قصصي وحكائي ووصفي بالقلم والصورة، لكن قبل ذلك بالعين والقلب. رؤية الجبل بالعين والقلب تكشف لك عن الطاقة الإبداعية في قلب الحجر، وتأخذك إلى ما هو أوسع من الرؤية البصرية، إلى الفطرة، فطرة الطبيعة، وفطرة الإنسان.