عشية الانتخابات الكويتية في 4 نيسان (أبريل) 2024، عادت الصحافة الغربية إلى الاهتمام بالكويت بعد فترة من التوقف، وكتبت صحيفة "جورنال أوف ديموكراسي" الأميركية مقالة تحليلية عن الكويت متسائلة: "هل سيكون البرلمان المقبل هو الأخير؟".

وما لا يعلمه الإعلام الغربي أن النظام الحالي في الكويت غير مضطر لأن يكون البرلمان المقبل هو البرلمان الأخير لأسباب عدة، منها:

أن رأس الدولة الأمير الشيخ مشعل الأحمد ألزم نفسه في أحد خطاباته بالحفاظ على التجربة الديموقراطية والبرلمانية الكويتية والحريات العامة، ولا يريد أن يقال إن تعطيلاً للحريات تم في عهده، خصوصاً أنه عايش تجارب تعليق البرلمان في السابق.

أن الشيخ مشعل الأحمد يتعامل بمسطرة القانون والدستور مع أي انحراف في العلاقة بين السلطتين، فلا يتردد في تسمية الأمور بمسمياتها، حتى وصل الأمر في خطاب التنصيب أمام البرلمان السابق إلى حد اتهامه مجلس الأمة والحكومة بالتواطؤ والاتفاق على الإضرار بمصالح البلاد العليا.

أن الشيخ مشعل القادم من خلفية أمنية وعسكرية يحمل إرثاً كبيراً من فرض القانون في القطاعات التي تحمّل مسؤوليتها، خصوصاً في "الحرس الوطني" الذي كان نائب رئيسه لسنوات قد حقق خلالها في هذه المؤسسة الكثير الكثير من الانضباط والتطوير، كما خلال توليه منصب ولي العهد. وينقل زوار عنه أنه لن يكسر هذا الإرث من خلال الإيعاز إلى الحكومة بعقد صفقات سياسية مع مجلس الأمة كما كان يحصل سابقاً بحجة استقرار العلاقة ولو على حساب القانون والإدارة والتعيينات وكل ما يمس خزينة الدولة.

أن النظام في الكويت، وفق هذه الخلفية، لا يهمه من يفوز أو يسقط في الانتخابات المقبلة بقدر ما يهمه التزام كل سلطة حدودها وتعاون السلطتين لما يسميه المصلحة العامة وليس تواطؤهما على الإضرار بمصالح الدولة. وهذا النظام تحديداً لن يتوانى عن تطبيق القانون إن حصل انحراف في مسيرة المجلس أو سلوك الحكومة. بمعنى آخر، لا تعول السلطة الكويتية على تغيير الوجوه في البرلمان المقبل حيث ترجح عودة كثيرين من المجلس السابق، بل على تغيير السلوك وفق مسطرة القانون. بهذا المعنى يمكن أن يتكهن المراقبون بأن حل المجلس دستورياً ممكن كلما حصل تجاوز للدستور.

الانتخابات الكويتية دلالة إلى حيوية غير مسبوقة في هذه الدولة الخليجية التي تراجعت في مجالات كثيرة بسبب المسار السياسي الذي شل التنمية والتطوير والتغيير من جهة، وبسبب تمدد تيار الإسلام السياسي بقوة في الحياة العامة وفي البرلمان، وحوّل العمل لإنجاز برامج ومشاريع إلى جدال من نوع منع الاختلاط بين الجنسين في الجامعة، أو الاختلاط في الشواطئ أو مسابح الفنادق أو الحفلات، وكان لافتاً أن وثيقة سُميت بوثيقة القيم كانت تدور على المرشحين للنيابة للالتزام بها، وحصدت سابقاً توقيع نحو 28 نائباً من أصل 50.

200 مرشح سيخوضون المعركة لإيصال 50 منهم إلى البرلمان. المقاعد ستتوزع على محافظين تقليديين وأبناء القبائل ومتشددين إسلاميين بين إخوان وسلف وقلة ليبرالية. وهناك معادلة يرى البعض أنها أساس تنافسي في بعض الدوائر، وتتمثل في أن كلاً من الشيخ أحمد الفهد وزير الدفاع السابق يشجع ويدعم ويعمل على إيصال مجموعة نيابية موالية له في إطار ما يراه "حقاً مشروعاً له في سعيه إلى مركز متقدم في السلطة"، في مقابل سعي رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم إلى دعم مرشحين معينين من أجل تقوية موقعه في إطار سعيه للعودة إلى رئاسة مجلس الأمة. وبين هذين التحركين تبقى حظوظ أحمد السعدون الأعلى إذا عادت إلى مجلس الأمة تركيبة مشابهة للتركيبة السابقة.

هذه الانتخابات تكاد تكون الأولى التي خلت فيها برامج المرشحين من مشاريع تنموية وخدماتية أساسية. وسيطرت الخطابات العصبية على ما عداها، خصوصاً مع إعلان وزير الداخلية بالوكالة الشيخ فهد اليوسف حرباً على مزوّري الجنسيات، ومع تصاعد التطرف في هذا الأمر من بعض مؤيدي هذه الحرب (غالبيتهم من الحضر) ومن معارضي هذه الحرب (وجلهم من القبليين). ولذلك لم تخلُ ندوة أو كلمة للمرشحين من التطرق إلى هذا الموضوع بحيث طغى على أي موضوع آخر.

وفي سياق لا يخلو من الحساسية، أثار عدد من المرشحين موضوع ولاية العهد باعتباره حقاً لا جدال فيه لأمير الكويت، لكن البعض جنح في التطرف إلى حد إعلان أسماء مرفوضة أو مقبولة بحجة أن الدستور يشترط موافقة البرلمان على مبايعة ولي العهد الذي يختاره الأمير. وهذا الأمر استدعى ردود فعل كثيرة طالبت المرشحين بعدم التجاوز على اختصاصات الأمير.

وقت قليل يفصل عن توجه الناخبين الكويتيين إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات تتم في العشر الأواخر من رمضان، إذ يمضي الكويتيون هذه الأيام في المساجد ليلاً. ولذلك سعى المرشحون إلى استنهاض همة الناس في المشاركة، وذهب بعض الدعاة المعروفة توجهاتهم إلى الإفتاء بأن المشاركة واجب شرعي كون كثافة التصويت قد تعيد وجوهاً كثيرة من المجلس السابق إلى البرلمان، وخصوصاً من التيار الإسلامي، وبالتالي يتم تشكيل كتلة نيابية مشابهة لما كان يحصل سابقاً.

وما بين انتخابات وحل، يبدو أن المسيرة الديموقراطية الكويتية تتجدد لكن وفق أسس جديدة هذه المرة. نظام يطلق رؤية جديدة، وحراك سياسي يقاوم التغيير. لن يكون البرلمان المقبل آخر البرلمانات في الكويت لكن النواب الجدد سيفهمون أيضاً أن لا مظلة فوق رأس مجلسهم يحميه من الحل وفق الدستور... إن تم تجاوزه.