خلافاً لنصيحة صندوق النقد الدولي، وفي ظل صعوبة تعبئة قروض خارجية، ورغم معارضة عدد كبير من الخبراء التونسيين، اقترضت الحكومة التونسية من البنك المركزي 7 مليارات دينار (2.3 مليار دولار) من دون فوائد مالية، وذلك بموجب قانون صدّق عليه مجلس النواب، على أن يسدد القرض خلال 10 سنوات، مع فترة سماح تصل 3 سنوات. واستعجلت الحكومة تنفيذ هذه الخطوة، لسداد قرض بقيمة 920 مليون دولار توجّب عليها دفعه في فبراير الماضي، إضافةً إلى تسديد أقساط من قروض خارجية، علماً بأن موازنةَ العام الحالي بحاجة لتسديد قروض قدرت بأكثر من 9.2 مليار دولار، منها 5.4 مليار دولار قروض خارجية، و3.8 مليار دولار قروض داخلية.

ويحذّر الخبراءُ مِن أن لجوء الحكومة إلى مدخرات البنك المركزي ستكون له تداعيات سلبية، لا سيما على التصنيف السيادي من قبل وكالات التصنيف الدولية التي تَعتبر أن التمويلَ المباشرَ لخزينة الدولة من «المركزي» يمس استقلاليته ومصداقيته. ولفتت وكالة «موديز» إلى أن تثبيت التصنيف عند «سي إيه إيه» يعكس درجة عالية من الضبابية بشأن مصير التمويل.

وتعني تلك الدرجة أن تونس تواجه مخاطر ائتمانية عالية جداً. وتوقعت الوكالة أن تخضع احتياطات «المركزي» من العملات الأجنبية، والبالغة حالياً نحو 7.5 مليار دولار، لسحوبات محتملة، مع العلم بأن عدم وجود تمويل شامل لتلبية احتياجات التمويل الكبير للحكومة، يزيد من مخاطر التخلف عن السداد. وإن كانت تونس قد تمكنت من سداد جميع أقساط الدين الداخلي والخارجي (أصولاً وفوائدَ) في العام الماضي، وفق تأكيد وزيرة المالية سهام نمصية، فقد تم ذلك عن طريق القروض الداخلية التي ارتفعت من 3.2 مليار دولار عام 2022 إلى 3.52 مليار دولار العام الماضي، كما ارتفع الاقتراض الخارجي من 2.4 مليار دولار إلى 3.2 مليار دولار. وهنا تكمن الخطورة في عدم القدرة على دفع الأقساط المستحقة من إيرادات خزينة الدولة الفعلية، والناتجة عن النمو الاقتصادي الحقيقي.

وسبق لصندوق النقد أن جمَّد مفاوضاته مع تونس، لعدم تنفيذها الإصلاحات المطلوبة، والتي تشمل ثلاثة بنود أساسية في الإنفاق العام هي: خدمة دين بنحو 7.76 مليار دولار، ونفقات دعم بقيمة 3.55 مليار دولار، وكلفة أجور موظفي الدولة البالغة نحو 7.4 مليار دولار. وتبرز خطورة ذلك بأن مجموع هذه البنود يبلغ 19.5 مليار دولار، من أصل مجموع الموازنة البالغة 24.48 مليار دولار.

ولم يبق سوى القليل للاستثمار العام الذي يعتبر«قاطرة» الاستثمار الخاص والمحرك لعجلة الاقتصاد. وفي هذا المجال، لابد من الإشارة إلى ضرورة أخذ العبرة من«تجربة لبنان» التي تشهد على النتائج السلبية للتدخل السياسي في السيطرة على البنك المركزي الذي فقد «استقلاليته»، حين تجاوب مع الحكومة في تمويل نفقاتها المتزايدة وعجوزاتها المالية المتراكمة، حتى تجاوز الدَّين العام 120 مليار دولار، وأدى ذلك إلى انهيار مالي واقتصادي وتراجع في احتياطي العملات الأجنبية من 35 مليار دولار عام 2019 إلى أقل من 10 مليارات دولار حالياً، كما تدهور سعرُ صرف الليرة اللبنانية التي خسرت 95 في المئة من قيمتها.

وصندوق النقد بدوره، يدعم بقوة «استقلالية» البنوك المركزية، ويؤكد مساعدتها للحد من مخاطر«هيمنة المالية العامة»، أي الضغط عليها لتقدم تمويلات بتكلفة منخفضة إلى الحكومات، وهو مستعد (وفق إعلان مديرته العامة كريستالينا غورغييفا) لتقديم مساعدة فنية، لتحسين الحوكمة والأطر القانونية، لجعل«الاستقلالية» ركيزة صريحة في برامج التمويل التي يدعمها.