خلافاً لكل الحروب العربية الإسرائيلية السابقة، التي انتهت إلى نتائج واضحة، سواء بالخسارة أو الفوز، حتى وإن كان محدوداً، لم تُفضِ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد أكثر من ستة أشهر على اندلاعها، إلى فوز واضح أو خسارة واضحة لأيٍّ من طرفي القتال.

في هذه الحرب، تبدو مقاييس الربح والخسارة مختلفة عن كل الحروب السابقة؛ إذ إن إسرائيل لا يمكنها إعلان الانتصار، رغم تصريحات نتنياهو المتواترة عن «النصر الكامل»، وتكراره منذ أشهر بأن إسرائيل على بعد خطوة واحدة من النصر.. وذلك ببساطة لأنها لم تستطع، حتى الآن، تحقيق أيٍّ من أهداف الحرب. كما أن اجتياح رفح الذي يعوّل عليه نتنياهو في إعلان تحقيق الانتصار المزعوم بعد تدمير قدرات الفصائل الفلسطينية، ليس مضموناً، لا من الناحية السياسية ولا العسكرية، ناهيك عن الكلفة البشرية والمادية التي سيتكبّدها الجيش الإسرائيلي. كما أن الادعاء بأنه تم تدمير قدرات الفصائل الفلسطينية في مختلف محافظات القطاع، ثبت أنه ليس صحيحاً، وأن هذه الفصائل، التي غيرت استراتجيتها القتالية من المواجهات المباشرة إلى حرب العصابات، لا تزال قادرة على إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي واستنزافه ومنعه من تحقيق أهدافه.

بهذا المعنى، وإذا تم احتساب سير المعارك بالنقاط، فإن النتيجة تبدو متعادلة، مع أفضلية واضحة للفصائل الفلسطينية، بالنظر إلى فارق القوة الهائل بين الطرفين، ونوعية الأسلحة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي واعتماده على التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، و«الذكاء الاصطناعي»، ناهيك عن جسور الدعم والإمداد بالسلاح والذخيرة التي توفرها واشنطن والعالم الغربي عموماً.

المشكلة في هذه الحرب أنها باتت شبه مغلقة وتتجه إلى طريق مسدود، من دون أن تمنح أي طرف القدرة على إعلان الانتصار؛ إذ أن الإخفاق الإسرائيلي الاستراتيجي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وعدم تحقيق أي من أهداف الحرب، طوال هذه الفترة، بالنسبة لجيش يعتبر من أقوى جيوش العالم، سيحجب أي إمكانية لإعلان الانتصار. كما أن مرارة المجازر الجماعية وسقوط عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين، والمجاعة والكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع، ستحجب إمكانية استثمار أفضلية التعادل بالنقاط في الإعلان عن فوز فلسطيني استناداً إلى الصمود الاستثنائي في مواجهة آلة القتل والدمار الإسرائيلية.

ربما يكون أبرز ما تحقق في الأشهر الستة الماضية من هذه الحرب، سقوط ركائز ومسلمات كثيرة كانت تقوم عليها خطط ما يسمى «اليوم التالي»، بما فيها السيطرة العسكرية والأمنية على القطاع، وبالتالي فإن فتح أي مسارات للبحث عن تسوية سياسية للصراع، لن يكتب لها النجاح من دون مشاركة الفصائل الفلسطينية. وهي مسألة يبدو أن واشنطن، التي أدركت، ولو متأخرة، عدم قدرة إسرائيل على حسم الحرب، بدأت تأخذها بالحسبان، في أي تحركات سياسية مستقبلية لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.