للمرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية، ومنذ 75 عاماً على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، نجد المزاج العالمي.

وقد تغير في صالح الشعب الفلسطيني المنكوب، فهذا المزاج السياسي هو الذي أنشأ دولة إسرائيل بقرار دولي من الأمم المتحدة، وهو القرار الوحيد الذي نفذته إسرائيل، وبعد ذلك لم تنفذ أي قرار دولي، سواء كان صادراً من مجلس الأمن الدولي، أو صادراً من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

هذا المزاج الذي كان لصالح إسرائيل دائماً، بات الآن يتغير.

فلو تأملنا التحولات خلال الأشهر الستة من العدوان الإسرائيلي على غزة، فإننا -قطعاً- سنجد أن الدعم الشامل والتام بكل مفرداته من السياسة الغربية، الأوروبية والأمريكية، التي جاءت لصالح إسرائيل بالمال والسلاح والإعلام والدبلوماسية، لم تعد هي نفس المفردات والأدوات.

فقد استطاع الشعب الفلسطيني بصموده، ومعه الموقف العربي الذي تنبه منذ بداية المعركة، إلى أن هناك مخططاً لتصفية القضية الفلسطينية، وطرد الشعب الفلسطيني من أراضيه، وكان هذا الرفض العربي لهذا المخطط بداية تغيير المزاج السياسي العالمي.

كما قلت كانت البداية ضد الشعب الفلسطيني، ساخنة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وقد زار الرئيس جو بايدن إسرائيل وسط المعركة كداعم للموقف الإسرائيلي، وتلاه كل الساسة الأوروبيين من فرنسا إلى بريطانيا إلى ألمانيا.

لكن الآلة العسكرية كانت ولا تزال لا تفرق بين ما هو مدني وبين ما هو مسلح، وراحت تقوم بتدمير شامل، وارتكاب مجازر بشرية غير مسبوقة، جعلت الساسة الغربيين ينتبهون إلى أن المعركة الإسرائيلية على فلسطين، تكمن وراءها أهداف أبعد من تصفية فصيل فلسطيني معين، وأن مصالح الغرب مع دول الإقليم العربي أشمل وأكمل وأهم -استراتيجياً- من الدفاع عن الباطل الإسرائيلي.

خصوصاً اعتراف القيادة الإسرائيلية - على مختلف مستوياتها - بأنهم لا يريدون شعباً فلسطينياً من الأساس يجاورهم، وأنهم يرفضون مبدأ حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب، وهو المبدأ الذي صاغته القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وتم الاعتراف به على مستوى السياسة الدولية في الأمم المتحدة، ويتعامل معه العالم كأمر واقع وضروري لاستقرار العالم.

إن سرعة تغير المزاج العالمي، جاءت بعد اعتداء إسرائيلي سافر على منظمات الإغاثة الدولية، خصوصاً «المطبخ المركزي العالمي»، وقد نتوقف هنا أمام مفارقة، كيف تحرك العالم من شرقه إلى غربه، هجوماً ورفضاً للاعتداء على أفراد «المطبخ العالمي» في غزة.

فقد اكتشف الغرب الداعم لإسرائيل، أن القتل المتعمد لا يستهدف الفلسطينيين العزل وحدهم، بل يشمل العاملين في المؤسسات الإغاثية، والصحافيين، وناقلي الحقيقة، وحتى الذين ينتظرون المساعدات الإنسانية.

لذا فإن مصلحة العالم وجدت نفسها عالقة في الفخ الإسرائيلي، لكن الرأي العام العالمي كان في هذه الدول قد سبق، وضغط على سلطاته من أجل إيقاف الحرب، وإعطاء الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير في إقامة دولته المستحقة.

المفارقة هنا تكمن في الاتصال الأخير للرئيس الأمريكي جو بايدن مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، الذي طالبه فيه بالإيقاف الفوري للحرب، وإدخال المساعدات إلى غزة بشكل عاجل.

وكانت تلك مفاجأة لنتنياهو، الذي وجد أن الرئيس الأمريكي - الراعي الأول لسياسات إسرائيل - يطالبه بإيقاف الحرب دون ربط هذا الموقف بعودة الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل غزة.

هذه المفاجأة أحدثت زلزالاً لدى الرأي العام الإسرائيلي، وأدرك أن المزاج العالمي يتغير بشكل سريع، وقد عبر عن ذلك أكثر من محلل استراتيجي أو سياسي سابق في دولة إسرائيل، بأن نتنياهو يجد نفسه في مفترق طرق للمرة الأولى، تتغير زاوية النظر الأوروبية والأمريكية إلى إسرائيل.

وقد دعت إسبانيا، إحدى الدول الأوروبية المهمة، إلى أنه يجب الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، لذا عبر الرئيس بايدن بأن إسرائيل تفقد وجودها المعنوي على المسرح الدولي.

إننا إزاء تحول استراتيجي في المزاج العالمي تجاه القضية الفلسطينية، وعلينا أن نستثمر هذا التغير، والمطالبة بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ليتغير وجه الشرق الأوسط للأبد. ويحدث استقرار عالمي تنتهي فيه معارك ما يسمى صدام الثقافات والحضارات.