دخل لبنان السنةَ الخامسة من دون تحقيق أي تقدم لحل أزمته المالية، التي تهدد علاقتَه بالنظام المالي الدولي، خصوصاً بعدما وصفها البنك الدولي بأنها «أسوأ الأزمات في العالم وأكثرها سلبية». والمشكلة الأكبر أن محاولات الإصلاح تصطدم برفض سياسي من السلطة الحاكمة المناط بها إيجاد الحلول التي تتوافق مع الصالح العام.

وفي الوقت نفسه تتزايد المؤشرات السلبية مع تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل بعض المحاولات الدولية لـ «تعويم» هذه السلطة على حساب تنفيذ الإصلاحات التي على أساسها تم في السابع من أبريل 2022 توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي.

وبعد مضي نحو سنتين التقى، الأسبوع الماضي، وزيرُ المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل في مكتبه المدير التنفيذي للصندوق محمود محيي الدين الذي نوه بالتطور الإيجابي الملحوظ على صعيد تمويل الخزينة من إيراداتها في الموازنة، دون الاعتماد على البنك المركزي. وفي الوقت نفسه، زارت بيروت بعثةٌ من الاتحاد الأوروبي وأجرت مباحثات مع المسؤولين، معلنةً أسفَها لتأخر الحكومة في إجراءاتها الإصلاحية، ومحذرةً من «الوقوع في شرك حلقة دائمة من الأزمات»، ومشيرةً إلى «الدور السياسي المحوري الذي يعرقل عملية الإصلاح».

وانطلاقاً من هذا الواقع، شهد مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، خلافاً بين أعضاء الحكومة حول مشروع قانون إعادة هيكلة النظام المصرفي، خاصة فيما يتعلق بحل مشكلة المودعين، لجهة توزيع الخسائر التي تقدر بأكثر من 73 مليار دولار، بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية. ولحسم الخلاف، اضطر رئيس المجلس نجيب ميقاتي إلى تأجيل البحث في المشروع، لمزيد من الدرس، واقتراح الحلول التي تراعي المصلحة العامة. وتتجه الحكومة، بدعم فريق من الوزراء، إلى التماهي مع سيناريو صندوق النقد الذي يرى أن الوضع القائم هو حالة «إفلاس» وليس حالة «تعثر»، ولذا يتوجب شطب معظم خصوم المصارف وما يقابلها من أصول، للتأكد من قدرة لبنان على خدمة دينه للصندوق من دون «تعثر». وفيما يؤكد معظم الخبراء أن مصرف لبنان والدولة ليسا «مفلسين»، ولديهما من الأصول ما يفوق التزاماتهما، فإن الأزمة لا تخرج عن كونها أزمة «سيولة».

وبما أن «فجوة» الخسائر ناتجة عن تراكم ديون مستحقة على الدولة، فإن جمعية المصارف تتمسك بقرار مجلس الشورى الذي أكد حقوق المودعين، محذرةً من أن «رمي الدولة لتبعات ارتكاباتها على المصارف والمودعين، تهرباً من المسؤولية، واعتماد سياسة الأرض المحروقة للتعمية على الحقائق، سوف يودي بكامل القطاع المصرفي، ويقضي بالتالي على أي أمل باسترداد الودائع».

وأوضح أمين عام الجمعية، فادي خلف، أن «دور الدولة ومؤسساتها المالية، يبرز في تعميق الأزمة، من خلال سلسلة إجراءات وأعمال تتنافى مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي»، مؤكداً «الإصرار على تنفيذ إصلاحات جذرية، لضمان العدالة وإعادة الثقة بالنظام المالي». ولعل الأخطر من ذلك، أن المصارف تماطل في إعداد الميزانيّات وفقاً لمقتضيات التعميم 167، بعد استقرار سعر صرف دولار بيروت على 89500 ليرة، وهي تدرك أن تطبيق التعميم سيكشف عمق الأزمة، والتفاوت في وضعيّة المصارف اللبنانيّة، ومدى إمكانيّة استمرار كل مصرف يعمل حالياً في السوق. وبعبارة أوضح، سيمثّل هذا التعميم خطوةً تسمح بإعادة هيكلة القطاع المصرفي مستقبلاً، وفقاً لحاجات الرسملة الموجودة لدى كل مصرف.