ما أكثر ما تنشغل وسائل الإعلام بأمر المُعمّرين، الرجال أو النساء الذين قُدّر لهم أن يعيشوا سنوات طويلة تتجاوز في بعض الحالات المئة عام. ما يسلط الضوء على هؤلاء وفاة أحدهم أو إحداهن، بعد عمر طويل، حيث تصادفنا عناوين من نوع: وفاة أكبر معمر في الصين مثلاً، أو في الهند أو في أي بلد آخر في الشرق أو الغرب، حيث يجري تسليط الضوء على الحياة المديدة للمتوفى أو المتوفاة، وكم خلّف من الأولاد، وكم لديه من أحفاد، وكثيراً ما تورد مثل هذه الأخبار معلومات عن أبناء أو بنات له اختارهم الله إلى جواره قبله. يجري أيضاً الحديث عن الأسباب التي تقف وراء العمر الطويل للمعني، كنظام أكله أو ممارسته الرياضة أو عيشه في بيئة نظيفة لم تبلغها أوجه التلوث التي جاءت بها الصناعات الحديثة.

من هذه الأخبار خبر جديد لا يتصل بمعمر تُوفي، فهو لا يزال حياً يُرزق، يوصف بأنه أكبر معمر في العالم، بعد أن أخلى المكان له كل من صاحب الرقم القياسي الفنزويلي، خوان فيسينتي بيريز، الذي توفي عن عمر يناهز 114 عاماً، فيما توفي الياباني جيسابورو سونوبي، الذي كان ثاني أطول الناس عمراً، عن عمر 112 عاما. إنه الإنجليزي جون ألفريد تينيسوود الذي يبلغ اليوم 111 عاماً، حاورته الصحافة عن سر عمره المديد وحفاظه على صحته وقواه العقلية رغم شيخوخته، ليورد أسباب ذلك، حسب اعتقاده، وبينها «الاعتدال في كل شيء»، كما أنه ليس مُدخناً، ونادراً ما يشرب الكحول، مؤكداً أنه لا يتبع نظاماً غذائياً خاصاً، باستثناء تناوله السمك ورقائق البطاطس مرة واحدة في الأسبوع، اختار أن تكون يوم الجمعة.

في شرحه لوصفة «الاعتدال»، قال المعمر تينيسوود لموسوعة «غينيس للأرقام القياسية»: «إذا كنت تشرب كثيراً أو تأكل كثيراً أو تمشي كثيراً -وباختصار إذا فعلت الكثير من أي شيء- فسوف تعاني في النهاية». وأضاف عاملاً مهماً آخر إليه عزا إليه طول عمره، إنه الحظ. «الأمر محض حظ سواء عشت طويلاً أو عشت حياة قصيرة لا يمكنك أن تفعل الكثير حيال ذلك».

أحببت، بهذه المناسبة، تذكيركم بأبيات للشاعر الروسي ألكسندر يفتوشينكيو، ترجمها إلى العربية إبراهيم إستنبولي، تتناول مسألة الإحساس بالعمر، وفيها يقول: «نحن لا نشيخ بفعل الشيخوخة/ ولا بسبب السنوات التي عشناها/ بل نشيخ من التعب/ بفعل الحزن والقدر المحتوم/ وبفعل حبٍّ لم يُكتب له النجاح/ بسبب فقدان الأمل في الحياة/ وبسبب صخب كل يوم/ بسبب الهموم التي تتضاعف/ والمشاكل التي لا حلَّ لها/ نحن نشيخ قبل الأوان/ لأنَّ أرواحنا تُصاب باليباس».