في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتعالى فيه الصرخات المطالبة بالإنجاز والسعي، يبدو أننا قد نسينا أحد أهم الدروس الإنسانية التي تمر علينا كلحظة تنويرية عابرة، لكنها كفيلة بأن تغير مسار حياتنا إذا ما تمعنا فيها وجعلناها منهاجاً لنا. إنها السعادة التي نجنيها من جعل الآخرين سعداء، هذا ما أشار إليه كارل ماركس، الفيلسوف والمفكر الألماني، بقوله: «أثبتت التجربة أن أكثر الناس سعادة هو من جعل كثيراً من الناس يشعرون بالسعادة»

في ضوء هذه المقولة، لا يسعنا إلا أن نتساءل: ما مدى صحة هذه الفرضية في واقعنا؟ الجواب يكمن في النظر إلى الأفعال وردود الأفعال التي تنشأ في المجتمعات التي تعمل على ترسيخ مبدأ التكافل والتراحم. لقد أثبتت الأبحاث النفسية والاجتماعية أن الأفراد الذين يمارسون العطاء والمساعدة يتمتعون بمستويات عالية من الرضا النفسي والسلام الداخلي، وهم بذلك يحققون نوعاً من السعادة الأصيلة التي لا تشترى ولا تستبدل.

المجتمعات التي تقوم على ركائز التضامن والتعاطف هي المجتمعات التي تزدهر، فيها يجد الفرد ذاته ليس فقط ككيان مستقل بل كجزء من منظومة أكبر تسهم في تحقيق السعادة للجميع. السعادة هنا لا تعد مجرد شعور ذاتي، بل هي تجربة جماعية يتشارك فيها الأفراد، وتترسخ من خلال تفاعلاتهم اليومية والدعم المتبادل.

إن السعادة المشتركة أمر لم تغفل عنه حكومتنا الرشيدة، حيث تولي دولة الإمارات أهمية كبرى لتحقيق سعادة الأفراد والمجتمع، وتعتبر ذلك من أولوياتها، وتحرص على توفير الرخاء والرفاهية، والاستقرار لشعبها والمقيمين على أرضها، وذلك بإنشاء وزارة السعادة، والعديد من المبادرات التي تهدف إلى تحقيق بيئة مجتمعية سعيدة.

لا شك أن الفرد عندما يشارك في نشر السعادة، يصبح جزءاً من دائرة أكبر من الأثر الإيجابي. الابتسامة التي يزرعها في قلب شخص قد تنمو وتصبح سلسلة من الأفعال الطيبة التي تتوالد وتمتد لتشمل الكثيرين، وفي هذا السياق، لا يمكننا أن نتجاهل الدور الذي تلعبه العواطف الإيجابية في تعزيز الصحة النفسية والبدنية للأفراد.

في النهاية، يمكن القول إن السعادة ليست مقصداً يتم الوصول إليه فحسب، بل هي رحلة تبدأ بنا ولا تنتهي عندنا، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يبحث عن الرضا في عيون الآخرين ويسعد بسعادتهم، ولعل في هذه الفكرة ما يكفي لتكون بمنزلة دعوة لنا جميعاً لنعيد النظر في أولوياتنا وأساليبنا في الحياة، لنجعل من سعادة الآخرين جزءاً لا يتجزأ من سعادتنا.

www.shaimaalmarzooqi.com