كان موفقاً حرص القائمين على المسلسل السعودي «خيوط المعازيب» الذي تجري أحداثه في منطقة الأحساء في بدايات ومنتصف الستينيات الماضية، على استخدام اللهجة الأحسائية بمفرداتها المتداولة يومذاك، والأهم من ذلك الحرص على صحة نطقها كما ينطقها أهالي الأحساء، ما استدعى تدريباً للممثلين الشباب، أو الممثلين الآتين من مناطق سعودية أخرى، وبلدان خليجية.

مع ذلك لا يصحّ اعتماد هذا المبدأ قاعدة يجب أن تُعتمد في كل المسلسلات التلفزيونية، وحتى الأعمال المسرحية، فسياق الأحداث وزمنها هو الذي يحدد ما الأنسب للحوار، أيكون بالعربية الفصحى، أو بعامية البلد الذي تجري فيه الأحداث، لذا أعجبني رأي للممثل السوري جمال سليمان، حول الموضوع أتى في سياق إجابة عن سؤال تلفزيوني وُجّه إليه حول رأيه في مسلسل «الحشاشين» الذي بثت حلقاته في الموسم الرمضاني المنقضي، والذي جاءت حواراته بالعامية المصرية.

المسلسل حقق، كما نعلم، نجاحاً جماهيرياً واسعاً، لكنه أثار، في الوقت نفسه، جدلاً كبيراً، خاصة لجهة اعتماده العامية في حواراته، لكونه عملاً يتناول مرحلة تاريخية، وواحدة من الحركات السياسية والفكرية الشهيرة في التاريخ العربي – الإسلامي. أشاد جمال سليمان بالجهد النوعي الكبير الذي بذل في إنتاج وتقديم المسلسل، الذي اعتبره ذا قيمة إنتاجية عالية، وأن مخرجه بيتر ميمي «يتمتع بذوق رفيع»، ويتميز عمله بالاحترافية، وفي ما يتصل باستخدام الفصحى أو العامية، في أي عمل درامي، قال سليمان إن هذا يتوقف على طبيعة العمل نفسه، فلن يبدو مقنعاً في عملٍ يتناول حاضرنا أن يتحدث فيه بائع جوال، أو موظف بسيط باللغة العربية الفصحى، لأن ذلك سيبدو مفتعلاً، وفي المقابل لن يكون مقنعاً استخدام العامية حين تتناول الأعمال الدرامية حقباً وشخصيات وحركات تاريخية مهمة، مثل حركة «الحشاشين»، أو سواهم، خاصة أن الأمر لا يتصل بحركة سياسية فقط، وإنما بحركة فكرية مثيرة للجدل، بصرف النظر عن وجهة النظر التي سيتبناها العمل تجاهها، لأنه عندما يتحدث أبطالها باللهجة العامية، أكانت مصرية أم سورية، أم أي لهجة أخرى، فإن العمل سيفقد، برأيه، «المصداقية بعض الشيء، وناحية جمالية عظيمة».

وفق هذا المنظور رأى سليمان أن عمل «الحشاشين» كان يجب أن يكون ناطقاً بالفصحى، منطلقاً في هذا الرأي ليس فقط من حبّه للغة العربية، وتعلّقه بها، وإنما أيضاً من واقع خبرته كممثل بارز قدّم الكثير من الأدوار التاريخية في مسلسلات عدّة، فهو من أدى دور صلاح الدين الأيوبي في المسلسل الذي يحمل الاسم نفسه، والذي لامس، بصورة من الصور، موضوع حركة «الحشاشين» أيضاً، ولذلك فإن له اطلاعاً على بعض تفاصيل هذه الحركة والحقبة الزمنية التي ظهرت فيها.