هل فكّر المثقفون العرب، على بساط البحث العلمي، في الآثار السلبيّة التي ستحدثها الفوارق التنموية في بلاد العرب، في الثقافة العربية بمكوّناتها ومقوّماتها؟

التربية الفكرية الثقافية، خصوصاً في التاريخ الحديث، الذي يُفترض فيه نشوء الوعي وارتقاؤه، لم يتدرّب العقل الثقافي العربي فيها على إقامة أواصر عضويّة بين الثقافة والتنمية الشاملة، وتحديداً الاقتصاد والجغرافيا السياسية.

أغلب الظن أن مثقفين كُثْراً في العالم العربي، لا يرون لهذه المواضيع صلةً بالثقافة. مثلاً: ليس من شؤون الثقافة عندهم البحث في قضايا من قبيل إخراج العراق، سوريا، ليبيا، السودان، والبقية تأتي... من مسرح المصير العربي. لا علاقة عندهم لهجرة العقول وإفراغ الجغرافيا البشرية العربية من علمائها، بالثقافة. الأمر مختلف، وربما كان يضطرهم إلى التفكير، لو كان المستهدفون هم المطربين. كم هم مخطئون عندئذ، فلو أَفرَغتِ المخططات الديار العربية من منتحلي الغناء، لأقمنا دبكةً بالعصي، وطيّرنا الطرابيش في الهواء.

طرح هذه المواضع من المواضيع ضروري، وإلاّ فإن الثقافة تصبح لا علاقة لها بالحياة العامة، لا بالمجتمعات ولا بأوضاع البلدان. حينئذ يقول المتثاقف: ما الذي يُلزم شكسبير اتخاذَ موقف من فجائع السودان؟ كل ما هنالك أن كلا طرفي النزاع يرفع شعار: «أكون أو لا أكون، هذه هي المسألة». كيف لا يتساءل المثقفون العرب: هل الثقافة العربية برمجيّة، «سوفتوير»، تأخذ عنها ألف نسخة، فلا ينقص منها مثقال إلكترون؟ هل العالم العربي وثقافته يظلاّن كما هما، إذا طرحنا البلدان التي حُكم عليها بالفشل والانهيار التنموي والإقصاء الحضاري؟

لا يُعقل أن يتوهم مثقف عربي أنه لكون معلقة الأعشى، النواسيّات، «البيان والتبيين» للجاحظ، «المواقف والمخاطبات» للنفّري، لم يتغيّر منها شيء على مرّ القرون، فإن الثقافة العربية لا يمكن أن تُمسّ بسوء إذا زلزلت الأرض زلزالها تحت بنيان الجغرافيا السياسية العربية. هل تبلغ الهلوسات الفكرية حدّ تصوّر اللغة العربية وموازين وجودها، معلقةً في الهواء، لا تربطها روابط عضوية بأنظمة التربية والتعليم، بمنسوب حركة التأليف والترجمة والنشر، بالحضور الإعلامي؟ وماذا عن الروافد والمناهل في تدفق إبداع الفنون؟

حين تلتهم البلدانَ نيرانُ الفتن والحروب الأهلية التدميرية، هل تظل الثقافة هي هي، والمثقفون العرب هم هم؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الانتعاشية: إذا ظن المثقفون أن الصروح الثقافيّة ستشمخ بسحر ساحر في عقدين أو ثلاثة، فإن إعادة إعمار المعنويّ أعسر.