الأحداث في الشرق الأوسط تتجه نو مسار مختلف، فالخطأ لم يعد يحتاج الى أن يكون بحجم كبير كي تتفجر المنطقة، فأمام عاصفة الشرق الأوسط اليوم، فإن طائرة مسيرة لا يتعدى وزنها خمسة عشر كلغم قد تفجر المنطقة، فلا تكاد أن توجد منطقة في الشرق الأوسط يمكن استثناؤها من الأحداث الجارية في المنطقة؛ فأحداث السابع من أكتوبر الماضي كانت منعطفاً مهمًا في إعادة تصورات المنطقة دولياً.

صراع في غزة ينطلق في أكتوبر يقتل فيه الأبرياء وتشرد فيه الأسر ويموت الإنسان جوعاً، ويتفرع من هذا الصراع صراع آخر على مدخل البحر الأحمر تهاجم فيها البواخر والسفن، وتفتح جبهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل ويقتل جنود أميركان في قاعدة على الحود الأردنية السورية من ميليشيات يقال إنها تابعة لإيران، وتهجم إسرائيل على مقر للقنصلية الإيرانية في سورية ويقتل فيها قادة من الحرس الثوري، ويدخل الشرق الأوسط بذلك في مسار جديد، حيث تفتحت دورة انتقامية بين أطراف مختلفة تضيف أسئلة جديدة حول المنطقة.

هل نحن اليوم أمام أسئلة تحث فقط على ممارسة ضبط النفس عقب التصعيد الذي تشهده المنطقة، أم نحن أمام أسئلة تبحث عن حلول؟ فالتصعيد في الشرق الأوسط يدخل دائرة مغلقة تدور حول نفسها، وهذا المسار يشكل خطورة كبرى فسرعة الدوران الانتقامي في ذات المحيط قد تنتج صراعا إقليميا لن يلبث أن يتحول إلى شكله الدولي، وخاصة أن المنظمات الدولية التي يعول عليها العالم في اتخاذ إجراءات وحلول مناسبة قد تراجعت، مرحلة القلق تكمن في توسع محتمل للدائرة الانتقامية التي تفتح بين الدول المتصارعة، والمفارقة العجيبة أن عنوان هذا الصراع المستخدم هو القضية الفلسطينية، فمركزية القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط تجعل المنطقة بأكملها مؤهلة لكي تكون داخل هذه الدائرة الانتقامية.

السؤال الأول: هل يمكن أن يؤدي توسع هذه الدائرة الانتقامية وانتظار دخول أطراف جديدة إلى حل القضية الفلسطينية أم ماذا؟ خلط الأوراق وإعادة المنطقة إلى المربع رقم واحد هو النتيجة المحتملة وقد يصبح خفض التصعيد مطلبا يصعب الحصول عليه، لأن دائرة الإعصار قد تكبر بشكل تدريجي وهذا سوف يؤدي بشكل طبيعي إلى نتيجة واحدة مفادها تعطل السياسات الإقليمية ومشروعات بناء شرق أوسط مستقر يعتمد التعاون الاقتصادي منهجا أساسيا لوجوده بدلا من فتح أبواب الصراعات الإقليمية.

السؤال الثاني: ما مقدار وشكل النفوذ الذي سوف تسعى القوى العالمية الكبرى إلى دفعه نحو المنطقة؟ وماذا سوف تكون النتيجة عندما تكون القضية الفلسطينية هى المدخل الوحيد الذي يجب أن يمر عبره هذا النفوذ؟ حجم القضية الفلسطينية وممرها الدولي ضيق جدا ولا يحتمل أن تتصارع على بوابته دول كبرى كأميركا والصين أو روسيا، وخاصة أن أميركا اليوم تقترب من الانتخابات الرئاسية التي سوف يحدد الفائز فيها شكل السياسة الأميركية القادمة، المنعطف الأهم والمقلق أن تتحول القضية الفلسطينية من قضية احتلال إلى أداة نفوذ دولي، وهذا ما سوف يحولها إلى أزمة ملتهبة يصعب إطفاؤها حتى لو كان الثمن استيعاب إسرائيل في المنطقة وجعلها جزءا من حراك اقتصادي وتنموي.

السؤال الثالث: الخليج العربي وهو جزء أساس في الشرق الأوسط سوف يظل قوة طاقة يصعب تجاوزها، فهل العالم مستعد لأرقام خيالية في أسعار الطاقة عندما تتضاعف الدائرة الانتقامية في المنطقة؟ كل أزمة مهما كان حجمها في المنطقة ترفع أسعار الطاقة بمعدلات كبيرة يصعب على العالم تحملها مع تلك الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم وخاصة أن العالم لم يتعافَ بعد من أزمة وباء كوفيد 19.

السؤال الرابع: أين موقع الدولة الفلسطينية المنتظرة في مساحات الصراع في الشرق الأوسط؟ لا تبدو قضية حل الدولتين سهلة التصور اليوم فتوسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط لن يمنح هذا المسار الفرصة لتحقيق أي شكل من الإنجازات، والشرط الوحيد لتحقيق هذا الإنجاز هو تفكيك دوائر الصراع التي تتنامى بشكل مقلق تبتعد من خلاله الأطراف المعنية بالقضية عن محور القضية.

السؤال الخامس: هل يمكن للشرق الأوسط أن يكون بوضع أفضل من هذا الذي يعيشه اليوم؟ وما شروط هذا الوضع لتحقيق الإنجازات؟ الشرق الأوسط ينقصه الاستقرار الذي يشكل مفتاح السر لهذه المنطقة التي تحاول أن تتغلب على تحدياتها، ولكنها تصاب دائما بالإحباط، فتكاثر أزمات المنطقة يعيق الكثير من المشروعات، لذلك تظل كلمة استقرار هي الحل السحري، ولكنها كلمة تتطلب الكثير من العمل وخاصة بين الأطراف المتنازعة التي يجب أن تصل إلى حل بينها أو تذهب إلى الخيارات الصعبة، حيث يدرك الجميع حجم الخسائر مع تلك الخيارات.