«موت أوروبا»، هذا ما يحذّر منه زعيم واحدة من أهمّ دولها، وأقواها، الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، وهو ما كاد أن يؤكده نظيره الألماني، المستشار شولتس، حيث أعلن الأخير تأييده «من حيث المبدأ»، للتدابير التي اقترحها ماكرون لجعل قارة أوروبا قويّة اقتصادياً، وآمنة.

تحذيرات ماكرون جاءت في خطاب ألقاه في جامعة السوربون في باريس، قال فيه إنّ أوروبا تواجه خطر «إضعافها، أو حتى التقليل من مرتبتها» خلال العقود المقبلة، مطالباً بوضع استراتيجية دفاعية أوروبية تعتمد على صناعة أسلحة مشتركة، وتسريع إعادة التسلح بتمويل من أموال الاتحاد الأوروبي، من أجل التعامل مع ما وصفه ب«التهديد الروسي». وما انفكّ رئيس فرنسا يُكرر مخاوفه من روسيا، وضرورة التصدي لها، للدرجة بلغ فيها التهوّر عنده حدّ المجاهرة بفكرة إرسال قوات أطلسية للقتال ضد موسكو في أوكرانيا، وهي فكرة وصفها العديد من المراقبين بالانتحارية، لأنها ستجرّ أوروبا كلها، وربما العالم كله، إلى حرب قد تكون عالمية، أو ما يشبهها، ولم تتردد موسكو على لسان مسؤولين وازنين فيها، في التهديد باستهداف أي دولة أوروبية، وفرنسا في المقام الأول، في حال تورطت ميدانياً في الحرب مع كييف.

الحديث عن ضعف أوروبا، وتراجع دورها، وفقدانها لاستراتيجية مستقلة خاصة بها، وتبعيتها العمياء للسياسة الأمريكية، ليس جديداً. لكن رئيس فرنسا اليوم يحذّر ممّا هو أخطر بكثير: «موت أوروبا» المحتمل، وهو تحذير لا يمكن إلا أن يؤخذ على محمل الجد، بالنظر إلى أهمية الدولة التي نطق رئيسها به، مُطلقاً ما نريد أن نصفه «صفّارة الإنذار».

ليست موسكو وحدها من يُقلق أوروبا، لكونها، أي موسكو، تقع في أوروبا ولديها حدود مشتركة واسعة مع دول أوروبية باتت عضواً في «الناتو». أوروبا قلقة أيضاً من الصين البعيدة جداً، والتي بات صعودها الاقتصادي، وتنامي دورها الكوني مصدر إزعاج للغرب بكل مكوّناته، هي التي رسخت لها أقداماً لا يمكن تجاهلها في بلدان الغرب نفسها. لذلك كان طبيعياً أن يتوقف ماكرون في تحذيره أمام تبعات ذلك، ولو من باب التلميح، حين طالب بإعادة النظر في السياسة التجارية للدول الأوروبية «في ضوء الإعانات الضخمة التي تقدّمها الصين والولايات المتحدة لصناعاتهما»، وطالب بمنح مزايا تفضيلية للمنتجات الأوروبية في مجال التكنولوجيات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي.

هل لاحظتم أنه أتى على ذكر اسم الولايات المتحدة أيضاً بمجاورة اسم الصين؟ نعلم أن نفوذ الصين المتنامي بات يشكل «صداعاً» لأوروبا، لكن ماكرون هنا تحدث عن الحليف الأكبر لأوروبا الذي تعتمد على دعمه حدّ التبعية، أي أمريكا. لقد بات الحليف نفسه مصدر قلق للقارة الحائرة في أمرها.