انطلقت في بيروت، الثلثاء، تظاهرات طالبية مؤيدة للفلسطينيين في مواجهة ما يجري في غزة تحديداً، وملاقاة للحراك في جامعات أميركية. تبدو جامعات لبنان كأنها تلتحق بركب التحرك العالمي، وكأن طلابها وعوا متأخرين سبعة أشهر، فداحة ما يجري، أو خجلوا من تقصيرهم، أو ربما جاءتهم كلمة سر من مكان ما. حتى الطلاب في الولايات المتحدة الأميركية ظهرت شكوك في دوافعهم وإن كانت محقة، إذ بدأت تقارير تتهم جهات عالمية بتمويل المتظاهرين ودفعهم إلى حركتهم، كما كان يحصل زمن ما سُمي "الربيع العربي" في عدد من دول المنطقة.

وبغض النظر عن المنطلقات التي دفعت الطلاب الأميركيين إلى التحرك، سواء كانت بريئة أم بدافع سياسي – استخباري، يمكن أن يستثمر لاحقاً، فإن أجواء الحرية الموجودة في الغرب تسمح للطلاب بالتعبير الحر عن آرائهم، بمعزل عن المواقف الرسمية الأميركية، بل في مواجهة الإدارة التي تدعم إسرائيل في حربها على غزة عبر مدّها بالسلاح والعتاد، ولو أن خطابها العلني يركز على التهدئة.

وإذا كان طلاب جامعات الولايات المتحدة الأميركية قد قوبلوا بتأييد كبر ككرة الثلج حيث عم جامعات كثيرة، وامتد إلى أوروبا، قبل العالم العربي، فإن تصاعد التوتر بين الطلاب والشرطة، وإصرار طلاب، أو مندسين لا فرق، على إظهار عدائية لليهود، وليس فقط للإسرائيليين، وافتراشهم الأرض لإقامة الصلاة باعتبارهم مسلمين في مواجهة آخرين، واعتمادهم خطاب كراهية وفق التسمية العصرية، قبل ممارسة أعمال تخريب وعنف، تنذر بتراجع هذا التعاطف، وزوال التأييد، وبالتالي السماح للقوى الأمنية بالقضاء على التحرك، بمباركة جماعية من الرأي العام، مروراً بإدارات الجامعات وطلابها الذين لا يوافقونهم الرأي.

ويتّهم جزء من المجتمع الأميركي الجامعات الأميركيّة بمعاداة الصهيونيّة، الأمر الذي أدّى إلى استقالة رئيستَي جامعتي هارفرد وبنسلفانيا هذا الشتاء.

وقد انطلقت الحركة الاحتجاجية من جامعة كولومبيا قبل أن تنتشر في أنحاء مختلفة من البلاد، جراء تعبئة قوية جداً للطلاب على شبكات التواصل الاجتماعي. وقالت سابرينا التي لم ترغب في كشف كامل اسمها، لوكالة "فرانس برس"، إنّ التظاهرات اجتذبت أيضاً كثيراً من الأشخاص إلى أبواب حرم جامعة كولومبيا، يميل كثير منهم "إلى العنف أو التلفّظ بإهانات معادية للسامية". وأضافت: "عندما آتي إلى الحرم الجامعي، كثيراً ما أخفي رموزي اليهودية حفاظاً على سلامتي"، مشيرة إلى أنّها لا تشعر بأمان.

وقالت ياسمين راد، الطالبة اليهودية في جامعة تكساس، إنّ التظاهرات المؤيّدة لغزّة "خطرة على الطلاب اليهود". وأضافت طالبة الصحافة ذات التسعة عشر عاماً: "هذا يضرّ بالطلّاب اليهود وبالطلّاب الذين لا يشعرون بالأمان بسبب العنف في حرمنا الجامعي".

ربما يكون الكلام دقيقاً، أو يدخل ضمن دعاية صهيونية مضادة، وإذا كان لا يمكن للولايات المتحدة التغني بالحرية وحقوق الإنسان وحقوق الشعوب بتقرير مصيرها، كما تنادي عند نشوب أي تحرك أو ثورة في بلدان العالم الثالث، فيما تقمع تحركات في جامعاتها تدعم حرية الشعب الفلسطيني وحقوقه على أرضه وحقه في تقرير مصيره، إلا أن إطالة أمد التظاهرات، وزيادة الأضرار، مع مطالبة الجامعات بشفافية مالية واستثمارية، سيبدل التوجهات، فينقلب السحر على الساحر، إذ إن للحرية حدوداً قبل أن تبلغ حد الفوضى والتخريب. فهل يفيد الطلاب المتظاهرون من توقيت دقيق لتحقيق بعض المكاسب، أم يسلكون طريق الفوضى والصراعات الداخلية والتنافس المدمر والتسييس والتطييف، فتنتهي التظاهرات على ما انتهى إليه "الربيع العربي"؟