لا تزال الميزانية العامة للمملكة العربية السعودية، تنتهج سياسة الإنفاق التوسعي على الخدمات الأساسية التي لها مساس مباشر بحياة المواطن والمقيم بالمملكة، وما يؤكد على ذلك ما كشفت عنه نتائج التقرير الربعي الأول للميزانية للعام 2024 عن إجمالي حجم إنفاق بلغ 305.8 مليارات ريال، بارتفاع بلغت نسبته 8 % مقارنة بنفس الربع من العام الماضي، وتحقيق عجز مالي نحو 12.4 مليار ريال.

كما أكدت نتائج الميزانية للربع الأول من العام الجاري، على استمرار الحكومة في استكمال مسيرة الإصلاحات التي تجريها على الجانبين الاقتصادي والمالي في ظل رؤية السعودية 2030 وتحقيق الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل، والتـي بدورها ستعـزز من متانـة وقـوة اقتصـاد المملكـة فـي مواجهـة التحديـات والتطـورات الاقتصادية العالميـة.

رغم عجز الميزانية المالي، إلا أن نتائجها كشفت عن نمو جيد للإيرادات غير النفطية لتبلغ نحو 111.5 مليار ريال، مسجلةً ارتفاعاً بلغت نسبته 9 % مقارنةً بما كانت عليه في الربع الأول من العام 2023 الذي بلغت فيه 102.3 مليار ريال.

الإيرادات النفطية في الربع الأول من العام الجاري حققت 181.9 مليار ريال مسجلةً ارتفاعاً مقارنةً بالربع الأول من العام 2023 الذي بلغت فيه 178.6 مليار ريال، بارتفاع بلغت نسبته 2 %، والتي هي أقل من نمو الإيرادات غير النفطية، مما يؤكد على توجه الدولة وإصرارها على تنمية الإيرادات غير النفطية، كجزء من الإصلاحات المالية التي تبنتها الرؤية السعودية.

ورغم العجز لا تزال الحكومة مستمرة في تقديم الدعم الاجتماعي للمستحقين، بالإضافة إلى الاستمرار فـي تطويـر مسـتوى الخدمـات العامـة المقدمـة للمواطنيـن والمقيميـن، ومواصلـة تنفيـذ العديـد مـن المشـاريع والإستراتيجيات التـي مـن شـأنها أن تحقـق تغيـرات هيكليـة إيجابيـة تـؤدي إلـى توسـيع وتنويـع القاعـدة الاقتصادية.

ونتيجة لتوجــه الحكومــة فــي تبنــي الإنفاق التوسعي لتنفيذ الإستراتيجيات والمشاريع التنموية، تحققت نسبة العجز المالي المحدودة والتي تم تمويلها من خلال إصدارات الدين بالاقتراض المحلي والخارجي، حيث سجل إجمالي الدين العام حتى نهاية الربع الأول من العام 2024 نحو 1,115.8 مليار ريال، منها 665.0 مليار ريال ديناً داخلياً، و450.8 مليار ريال ديناً خارجياً.

رغم الزيادة المحدودة بمستوى الدين العام، إلا أن المملكة لديها نسبة احتياطيات حكومية جيدة تمكنها من مواجهة الصدمات المالية والاقتصادية.

من بين أبرز ما لفت انتباهي بالميزانية، مواصلة الحكومة لدعم قطاعي الصحة والتنمية الاجتماعية، والخدمات البلدية كأحد القطاعات التي تساهم في تحسين ورفع جودة الخدمات العامة المقدمة للموطنين والمقيمين وبالتالي رفع جودة الحياة وفقًا لرؤية السعودية 2030، حيث بلغ إجمالي الإنفاق على هذين القطاعين بنهاية الربع الأول لعام 2024 نحو 87.3 مليار ريال.

أخلص القول؛ إن العجز المالي في الربع الأول من العام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023، يُعزى أسبابه إلى استمرار توجه الحكومة في تبني الإنفاق التوسعي لأنشطة اقتصادية ذات عائد اقتصادي، مع تسريع تنفيذ المشاريع والبرامج ذات العائدين الاجتماعي والاقتصادي، وفي الوقت نفسه استمرار الحكومة لتباع سياسة مالية تعمل على تحقيق التوازن بين أهداف النمو الاقتصادي والمحافظة على الاستدامة المالية وتنمية الإيرادات غير النفطية، هذا بالإضافة إلى الاستمرار في العمل على رفع كفاءة الإنفاق وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.

وما يقلل من القلق بشأن العجز المالي بأن أسبابه تنموية بحتة، مثل: ارتفاع الصرف على برامج الإسكان التنموي والذي سيساهم برفع نسبة تملك الأسر السعودية لمنازلهم، وكذلك للصرف على عدد من المشاريع والمبادرات التي تستهدف تحسين جودة حياة المواطنين.

كما أن ما يقلل من قلق العجز المالي، وجود احتياطيات حكومية مرتفعة تمكن الدولة من الاستمرار في عمليات الاقتراض المحلية والخارجية لتمويل العجز المتوقع في الميزانية وسداد أصل الدين المستحق خلال العام 2024 وعلى المدى المتوسط.