الأسايش من اختطاف الأحياء الى اختطاف الشهداء

"رهاب الموت قد لا يؤثر على حياة الناس بشكل كبير ولكنه يخلق أجواء غير مريحة"

 

لا خلاف على أن فوبيا الخوف من الميت والخشية من الموتِ وهيئة الميت ظاهرة طبيعية لدى عامة الناس، باعتبار أن الموت هو النهاية الحتمية للميت بنظر الأحياء بالرغم من أنه قد يكون لدى أغلب من يودعون الراحل قناعة دينية ما، بأن ثمة قيامة ما ستقام في يومٍ من الأيام، وقد يجدون آنذاك كل من فقدوه في دنياهم، إلا أن عدم عودة أحد من هناك، وتأخر قصة القيامة، وسيطرة العقل الوضعي والواقعية والثورة التقنية على حياة الناس تسبب في تقليص نسبة الإيمان بإمكانية رؤية الراحل لاحقاً حتى لدى الكثير من المتدينين الذين يُعلقون عادةً أمام الملأ فيما يخص الموضوع المتعلق بالموت والانبعاث بخلاف ما يشعرون به في دخيلة أنفسهم، ومع أن الشهيد لن يُزعج أحداً برحيله المفاجئ أكثر من أهله وأصدقائه المقربين، إلا أن الاحتفاء به أوان التوديع هو قد يكون السبب الأبرز للانزعاج لدى مناوئي نهجه، والخشية من حضور جثمانه الذي قد يخلق توتراً حقيقياً على غرار ما فعله جثمان البيشمركة محمد أمين سلو بأجهزة الأمن في كانتون الجزيرة.

ووفقاً لمبدأ "على قدر أهل العزم تأتي العزائم" جاء تساؤل الشاعر عبداللطيف الحسيني بصيغة تراجيكوميدية وهو يقول: استولى أساييش حزب الاتحاد الديمقراطي بقوة السلاح على جثمان الشهيد محمد أمين أحمد سلو واقتادوه إلى مكان مجهول نرجو منكم التأكّد أو النفي"، فغرابة التصرف إذن يلزمه صيغة مشابه لها في الطرح والاستفسار، وإلّا فستحصل الفجوة المعرفية بين النقد والواقعة، ولكن وللأسف فقد بقي سؤال الشاعر معلقاً ولم ينفي أحد أمر الاختطاف بل وقد عززه وأكده البيان الصادر عن الجهة التي تولت مهمة الاختطاف نفسها، أي الأسايش الذين قالوا في بيانهم، إن الشهيد محمد أمين سلو شهيد بيشمركة روجآفا من القرى التابعة لتربسبية، لقد وصلت جنازته إلى أراضي روجآفا، وسيصل إلى مسقط رأسه في الدقائق القادمة، للبدء بمراسيم التشييع، تحت حماية أمنية مشددة من قبل قوات الآساييش، وذلك حرصاً على السلامة الأمنية من أي هجوم أو اعتداء إرهابي" هذا ما جاء تحت اسم المتحدث الرسمي لقوات آساييش روجآفا، فالجماعة إذن أخفوا جثمانه خوفاً من أن يأتي أحدهم ويقتله من جديد! إنه الحرص المبالغ فيه من قبل الإدارة على جثامين الموتى، فكيف إذن سيكون الاهتمام بحال الأحياء منهم!؟

وبالعودة الى قصة الخطف فقد سبق وللأسايش أن خطفوا كوادر وقادة حزبيين من المجلس الوطني الكردي أكثر من مرة، ولا يزال الكثير منهم رهين الاختطاف والاعتقال، ومع أن كلمة الاختطاف لا تقال إلّا لجهة غير شرعية أي مافيا أو عصابة، ولكن العجب هو استمرار الأسايش في اتباع هذا الاسلوب العصاباتي مع أنهم سلطة حاكمة وبمقدورهم اعتقال أي شخص يريدونه علناً وجهارة، طالما أن التُهم في متناولهم كعداوة الأمة الديمقراطية المزعومة أو العمالة لأردوغان أو الانضمام لبيشمركة روج آفا المحظورة، ووفق معيار العبقري آلدار خليل شركاه فالبيشمركة هي القوة التي تشكل خطراً وجودياً حالياً ومستقبلاً على سلطة الكانتونات أكثر من جيش الأسد وكل أفرعه الأمنية النجسة المسموح لها التحرك بيسر وأريحية في طول وعرض الكانتونات.

 ويبدو أن الخوف مما يشكله الحي الذي يُخشى من مزاحمته، هو نفس الخوف من الميت الذي يُخشى من أن يكون لجنازته تأثيرات واضحة على الأحياء، فمع أن سلو استشهد دفاعاً عن جزء حقيقي من كردستان، وليس مكان غير مرئي وغير معلوم بالنسبة للكثير ممن يموتون في سوريا من أنصار الاتحاد الديمقراطي، إلا أن عرس استقباله كبطل من قبل الجماهير العريضة لا شك هو مصدر قلق لدى الإدارة الذاتية التي سترى ذاتها تتقلص كلما تعاظم صوت الآخر، وكلما أظهر للآخر جمهوره وقاعدته الجماهيرية، بل المغيظ أكثر هو أن الجماهير التي خرجت لاستقبال الشهيد لم يُطلب منها ذلك ولا تم حشدها من باب النكاية، ولا فرض عليهم الخروج للاستقبال على غرار ما تفعله الادارة الذاتية مع شهدائها، علماً أن دماء شهداء الإدارة الذاتية تزهق هباءً منثورا باعتبارهم يقتلون في مناطق لا تخص الكرد بشيء، بينما الشهيد الذي خشيت إدارة الأسايش حسب زعمها عليه من أن يتعرض لعمليات إرهابية فهو استشهد من أجل كردستان، واستشهد في تخومٍ معلومة من كردستان، ولأجل جزءٍ مهم ومعترف به من عموم كردستان. 

عموماً وبالرغم من أهمية ما دعت إليه الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي الى اعتصام يوم الجمعة أمام مبنى الامم المتحدة في قامشلو رفضاً لسياسات الاتحاد الديمقراطي المنافية للقيم الديمقراطية، وقيام سلطة الإدارة يوم الخميس منذ الصباح الباكر بإغلاق مداخل ومنافذ المدن وبلدات المنطقة وريفها لمنع الجماهير للوصول الى معبر سيمالكا لاستقبال جنازة الشهيد، وتعرض الأسايش للمشيعين بغية تفريقهم و تشتيتهم وأخذهم الجنازة عنوةً بعيداً عن أعين وموقع اجتماع الجماهير التي حضرت لاستقباله، إلا أنه بالتوازي مع التنديد والاستنكار فالأهم هو العمل على زرع بذور اليقظة لدى مؤيدي الاتحاد الديمقراطي، بدلاً من بث الحقد فيهم، والعمل على دفعهم الى حقول التساؤل، وجعلهم يقفون على المسائل ويلجوؤن إلى إعمال المقارنات السلوكية لدى قادة وكوادر حزب الاتحاد الديمقراطي خاصةً وجماعة الإدارة الذاتية بوجهٍ عام، إذ أنها ستكون بمثابة المنتج الحقيقي للوعي لدى هؤلاء المغرر بهم.

 ختاماً فمن شبه المؤكد أن الإدارة الذاتية بناءً على الواقعة هي لا تضمر للشهيد حقدا، إنما تخشى على جمهورها من رؤية جماهير الجهة الأخرى المناهضة لسياستها والتي تخشى الادارة على مزاحمتها بشكل فعلي وجاد، وهي تتهيب من وجود الآلاف من جماهير خارجة بحب لاستقبال شهيدها بخلاف الاتحاد الديمقراطي الذي يفرض على مؤيديه حضور تشييع جنازاته كحال حزب البعث الحاكم في دمشق، نعم الإدارة الذاتية لا تخشى من الشهيد نفسه كما قد يظن البعض، إنما هي تخشى من الحشود التي ستزعزع الثقة لدى الاتحاد الديمقراطي بجماهريته، كما أنها ستؤثر على مؤيدي الاتحاد الديمقراطي الذين تم إفهامهم منذ أعوام بأن لا صوت فوق صوت الاتحاد الديمقراطي، ولا جماهير أعظم من جماهيره في المناطق الكردية، وللإبقاء على تلك الغشاوة أمام أعين وبصيرة مريديه المُساقين بالشعارات والهتافات رأت الإدارة بأن عرس الشهيد سيكون قاصماً معنوياً لسياستهم الهلامية التضليلية، حيث أن صيت البيشمركة وقدسية ومصداقية ما يناضلون من أجله هو ما يرعب طاقم الأمة الهلامية، لذا ارتأوا تغييب جثمان الشهيد على شكل الاختطاف وفصله عن جماهيره حتى لا يكون لحضوره الآثر تبعات مباشرة على مؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي ورهطه في الإدارة الذاتية قبل الجماهير المناهضة لسياسة حزب الاتحاد الديمقراطي.