انتهت جولة حكومة الوفاق في المحافظات الجنوبية والتقييم الذي أطلقه المراقبون وصل حد المُمتاز رغم بعض النقاط التي كانت بحاجة إلى مزيد من الوقت. رافقتُ الٌجُموع في قطاع غزة، سمعتُ من الوزير، المرافق، السياسي، المُحلل والمتطفل وعدا ذلك فقد تجوّلت بين العامة واخترت المركبات العمومية وكنتُ مستمعًا ومستمتعًا بدقة لتفاصيل ما يردده المواطن البسيط.. يُمكن اختصار الجولة الأولى للحكومة والتي يُمكن وصفها بالاستكشافية بما يلي:

1- استطاع رامي الحمدلله بحضوره البسيط أن يعكس المعادلة الشعبية، وكان الحمدلله يتحدث دومًا باسم الرئيس أبو مازن وبالتالي لم يكن الرئيس بعيدًا عما يجري.

2- الاستقبال الشعبي المهيب للحكومة كان رسالة متعددة الجهات، داخليًا وخارجيًا. الاستقبال لم يكن فقط للأشخاص وإنما للتأكيد أن الفلسطينيين في قطاع غزة أرادوا الانتصار لذواتهم والتغلب على ما يُعانوا منه وأرسلوا رسالتهم لـ"الشرعية" أننا لا نستمد بصيص الحياة سوى منكم. ورسالة للعالم بأنّ غزة التي أرادوا لها أن تُقهر لن تُقهر.

3- الوساطة المصرية هذه المرة مُختلفة وهي تمتد من التدخل السياسي وصولا للتفاصيل المدانية، القاهرة تلعب الآن دور الترويج والتسويق للمصالحة في العالم هذا من جهة وتتابع تفاصيل الميدان من جهة أخرى. التفاصيل التي كانت في السابق معلقّة بين حركتي “فتح” وحماس يُمكن أن تزول بالوساطة المصرية فمصر قادرة على "الحل" وقد نقول "الحل السريع".

4- الرئيس أبو مازن يتعامل مع الحراك الداخلي بنوع من التريث حتى لا يقع في "شراك" الفشل مرة أخرى. فالفرصة الحالية هي الأخيرة بالتأكيد وإن فشلت فلا فُرص بعدها. الرئيس أوعز للحكومة باستكشاف النوايا وقامت الحكومة بذلك.

5- قرارات في صالح المواطنين ستُتخذ في الأيام المقبلة.. الكهرباء ستعود سيرتها الأولى إلى أن تبدأ ورشة العمل الجدّي لإنهاء هذه الأزمة التي تُعتبر أبسط حقوق أي مواطن.

6- التقى رئيس وزراء حكومة التوافق كل الأطياف والجهات. كلماته التي تحدث بها في لقائه مع فصائل العمل الوطني والإسلامي تؤكد أن هذا الرجل لا ينوي سوى العمل.. فقط العمل، هو قال:"لن أترشح في أي انتخابات مقبلة، وليس لي أي مشروع شخصي".

7- لقاء الشباب مع رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة ورغم بعض "سوء التنظيم" إلا أنه يُمكن القول أن رسالة الشباب تحتاج إلى الابتعاد عن نظرية الخلاص الفردي نحو الخلاص الجماعي للفئة الأكثر تأثيرًا. استعدّت الحكومة لتفعيل كل الصناديق التي طلبها الشباب وإشراكهم في إدارتها شرط أن يكونوا مُوحدين. فهل نفعلها؟

أما المرحلة المقبلة فمن المتوقع أن تحمل ما يلي:

1- بعد لقاء حركتي “فتح” وحماس في القاهرة قد يتم الاتفاق على توسيع الحكومة وتدعيمها وقد طلب رئيس الحكومة ذلك منذ أشهر.

2- بدء ورشة العمل الكُبرى لإعادة استلام الوزارات وتسكين الموظفين القدامى والحاليين والعمل على حل المشكلة الأعقد في المصالحة، كل الوزارات رفعت ما يُمكنها استيعابه. هذه المرة لن يكون هناك ورقة سويسرية أو أي مبادرة وإنما ستكون مصر حاضرة بتفاصيل كل موظف على حدة.

3- ستعود السلطة عن قرارات (العقاب) بعد أن تسير العجلة نحو ورشة العمل المُنتظرة. لكن بعض من تم إحالته للتقاعد سيبقى على ما هو عليه لتسهيل الوصول إلى حلول سريعة.

4- قد نجد "مصر" من تُدير الأمن في قطاع غزة لفترة انتقالية، وفق اتفاق القاهرة فإن هناك لجنة عليا لإعادة صياغة وتأهيل الأجهزة الأمنية في غزة ترأسها مصر. قد يتوصل الأطراف لحل وسط وتُباشر مصر هيكلة الأجهزة الأمنية بأن تكون على رأسها لحين الوصول إلى النتيجة النهائية لسلطة واحدة، سلاح واحد وشرعية واحدة.

5- حركة “حماس” سلّمت كل شيء للوسيط المصري والقاهرة من جهتها تتعامل بأنها من تملك كل شيء في غزة وقادرة على (فرض) الحلول على الطرفين. مصر في المرحلة الحالية يهمها الانتهاء من ملف المصالحة الداخلية لتتفرّغ بعدها لترسيخ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين كما اعترف بها العالم.

6- التسارع الكبير في عملية التسليم والاستلام، الحصر والدمج، العمل المُوحد سيظهر جليًا خلال الأسابيع القليلة المقبلة. لن يكون هناك بيروقراطية كالسابق وسيكون هناك عملية مُتسارعة من كل الأطراف والجهات.

جولة الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة يُبنى عليها، التدخل المصري وإن كان (خشنًا) في بعض تفاصيله إلا أنه ضامن حقيقي للاتفاق. الفرصة سنحت ولا مجال لأن تتكرر، غزة على موعد مع انفراج حقيقي لكل الأزمات.

في خضم الحديث السياسي والتحليل المُتناقل وأثناء تجولي في مدينة غزة في أحد السيارات العمومية قال أحد الرُكاب:"رامي الحمدلله الله بيحبو – بينحب من صورتو" فرّد آخر "إمو داعيالو". هذا الحديث الشعبوي البسيط يكشف مدى تعلق الناس بـ"قشة" لتغيير نمط حياتهم البائسة. فرغم الضخ الاعلامي الكبير والمهول ضد السلطة الفلسطينية وشخص الرئيس وكذا شخص رئيس الوزراء إلا أنّ الشارع الفلسطيني في قطاع غزة يُدرك تمامًا أن ما تم ضخه ناتج عن محاولات تصدير الازمات ليس أكثر.

الراكب الذي اعتبر أن الله يُحب رئيس الوزراء يُفسر ذلك بأن الله ان احب عبدًا حبّب عباده فيه , أما من يقول أن "والدته داعيالو" فيركن إلى ما شاهده من عشرات الآلاف الذين استقبلوه سواء عبر حاجز بيت حانون أو على كل مفترق مرّ خلاله. أما لسان حال العامة في غزة فإنهم ينتظرون "القرارات" كون الزيارة والاستقبال سينتهي أثره بعد سويعات..

حافظ رامي الحمدلله على رزانته التي اكتسبها كونه أكاديمي معروف , ولم يخرج عن النص الرسمي المطلوب منه كوزير أول في الحكومة. حاول البعض استفزازه سياسيًا فانتصر لذاته ولشرعية حكومته التي استمدها من الرئيس بعيدًا عن محاولات التأويل والتحليل التي يتبعها "المُفلسون". انتهج أسلوب تصدير الحقيقة وابتعد عن بث الوهم , لكنه نشر التفاؤل المشروط بالتمكين الكامل.

عبر التواصل الاجتماعي انبرى البعض لتناقل فيديو لشاب أثقلته جراح غزة لينفجر بحضور رئيس الوزراء , من تابع ما قاله الشاب الذي تحدث بكل الاتجاهات اعتبر أنّ أمله الوحيد المتبقي بعد الله هو

"الشرعية" بل إنّ امتصاص رئيس الوزراء لغضبه بعد انتهائه من مداخلته تُدرّس في علوم السياسة. البعض اعتبر ما يقوم به رئيس الوزراء هو نوع من العقلانية المفرطة والتي تبتعد عن "الشعبوية" قليلًا لكنّ آثار الأعوام الأحد عشر جعلت المواطن البسيط لا يؤمن بالغوغائية بل يعرف أين يكمُن "الحل".

رئيس الوزراء الذي التقى كل الشخصيات وغالب القطاعات كان مُتيمًا بغزة المُتيمة وشعبها به. أكاد أجزم أنه سيعمل جاهدًا على نقل معاناة المواطن البسيط بعيدًا عن حدّة الانقسام وخشونة السياسيين بل سيكون لسان حال المستضعفين. هي غزة التي تعشق الصادق وتلفظ من سواه وهي غزة التي صبرت ولم تحِد يومًا. هي غزة التي تحتاج الآن للحنو عليها وعلى ناسها وغلابتها.