منذ أيام قليلة، يتداول وعلى نطلاق واسع في شبكات التواصل الإجتماعي كلام منسوب إلى صحفي ألماني، تحت إسم فرانتز شتاينمار: "سعد الحريري والخيانة العظمى“. وهو المقال الذي زُعم فيه أن هذا الصحفي نشر كلاما خطيرا على دير الشبيغل الألمانية، فك طلاسم تواجد سعد الحريري في السعودية التي استقال منها من مهامه كرئيس وزراء لبنان. ويزعم المقال أن السلطات السعودية وبمساعدة أمريكية كشفت مخطط انقلاب ناعم جري التحضير له من أطراف الأسرة السعودية الحاكمة المنزعجة وبتنسيق مع سعد الحريري وبمباركة من إيران. وأضاف المقال المنسوب إلى دير شبيغل أن السلطات السعودية مدها صهر ومستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنير بتسجيلات تورط الحريري والأمراء والشخصيات السعودية التي تم احتجازها في الثالث من الشهر الجاري. 

 
ما يهمني في الأمر هو أن الخبر نسب إلى دير الشبيغل المعروفة برصانتها وتحقيقاتها. ولنبدأ من غلاف المجلة. إذ نشر المقال مع صورة للمجلة وبداخلها الحريري، تحت عدد 42 من السنة الجارية. ومن يجري بحثا على الانترنت يجد أن العدد المذكور نشر في الرابع عشر من أكتوبر ويحمل صورة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هذا بالاضافة إلى أن إسم الصحفي الذي نسب له هذا الفتح العظيم غير موجود أصلا. فعن طريق بحث بسيط على شبكة الانترنت لا يعثر المرء عن إسم فرانتز شتاينماير Franz Steinmeier. وقد اتصلت بالمجلة المذكورة دير شبيغل، وأكدت لي عبر اميل أن الغلاف مزور كما أن المقال المذكور لا وجود له ولا تعرف المجلة صحفيا بإسم Franz Steinmeier. كما أن المقال الوحيد المنشور عن السعودية، منذ أربعة شهور، هو المقال المنشور في العدد 46 بتاريخ الحادي عشر من الشهر الجاري، تحت إسم "الخوف والطموح" من توقيع الصحفية سوزانه كولب Susanne Koelb. ما يهمني في هذه القصة هو حجم الأخبار الزائفة التي تمطرنا بها وسائل التواصل الإجتماعي ونتداولها دون تمحيص أو بحث. إن أكبر خطر يهدد مجتمعاتنا اليوم، هي الأخبار الزائفة أو ما بات يعرف بـ Fake News بل إنه السرطان الذي ينخرنا من وراء لوحة مفاتيح مزيفة تصنع رأي عام مزيف. فالإعلام ينبغي أن يكون قادرا على غربلة الأكاذيب وفضحها، لأن ذلك هو الطريقة الأمثل لايصال المعلومة للمجتمع بحسب الصحفية والسيناريست الأمريكية إيمي غودمان. وفي كتابهما Blur أو "الضبابية"، كتب Bill Kovach و Tom Rosenstiel: "الديمقراطيات تبنى انطلاقا من الحوار المستمر بين المواطنين المطلعين. إن جودة هذا الحوار تعتمد على ما اذا كان مبنيا على الدعاية والاكاذيب او على الأدلة الدامغة والاستعداد للتعلم وتقصي الحقائق".