لايمكن لأي قرار تتخذه جهة سياسية أو قضائية إلغاء أو شطب نتائج استفتاء إقليم كردستان العراق، مع علمنا بإمكانية عدم تنفيذ نتائجه وهذا ما يحصل اليوم في العراق، حيث تتخذ العاصمة الاتحادية كل ما بوسعها من قرارات لوقف تنفيذ نتائج استفتاء صوت فيه أكثر من تسعين بالمئة من الكرد على الانفصال وتأسيس دولتهم القومية بعد معاناة مستمرة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة كان آخر تجلياتها في عراق ما بعد صدام حسين بامتناع بغداد عن تنفيذ بنود الدستور إلاّ إن كانت لصالح تعزيز سلطاتها ولعل ذلك كان من بين الأسباب التي دفعت قيادة الإقليم لتنظيم الاستفتاء.

حكم المحكمة العليا بإلغاء التصويت المتخذ بصورة أحادية، جاء بعد أن كانت أعلنت سابقاً انها لم تستطع البت بدستورية الاستفتاء من عدمه في ظل عدم وجود من يمثل كوردستان. وليس سرا أن تشكيل هذه المحكمة سبق إقرار الدستور العراقي، وكان واجباً بعد إقراره عام 2005، حلها وإعادة تشكيلها حسب المعايير الدستورية، ما يعني "خصوصاً في أربيل" أنها تمارس أعمالها دون أن تكون لها أي أسس قانونية ودستورية، ما أدى الى وقوعها تحت تأثير الظروف والأحداث السياسية، وأنها طوال فترة عملها، إختارت الصمت تجاه جميع الخروقات الدستورية وأنها في قرارها الأخير تحركت وفق رغبات السياسيين، دون قراءة النص الوارد في ديباجة الدستور العراقي الذي ينص على أن الإلتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة.

بغداد المنتشية "بانتصارها" تواصل التصعيد فتطالب الزعيم الكردي مسعود البرزاني ورئيس حكومة الاقليم نيجيرفان البرزاني بتوقيع وثيقة تتضمن اعترافا خطيا بالالتزام بقرارات الاتحادية واعتبار الاستفتاء ملغيا بنتائجه وما يترتب عليه، قبل إجراء أي حوار سياسي مع الاقليم، ويؤشر ذلك إلى صعوبة المرحلة المقبلة للطرفين، حتى وان تفاوضا ذلك أن بغداد لا ترغب أن تعود عن المناطق المتنازع عليها وسحب قواتها من مدينة كركوك والمنافذ الحدودية، اما الإقليم يريد العودة الى وضع ما قبل الاستفتاء مقابل القبول بقرار المحكمة، وعودة السيطرة على مدينة كركوك وعلى حقول النفط وان تنسحب القوات العراقية ويعاد العمل بالمطارات كما كان سابقا، وهذا ما يعد امرا محرجا لبغداد.

المؤكد رغم كل القرارات المتخذة ضده في بغداد أن الاستفتاء بات وثيقة تأريخية وقانونية للشعب الكردستاني تم تثبيتها بشكل سلمي وديمقراطي، وهي تؤكد حق الشعب الكردي في التعبير عن الرغبة بالاستقلال والتمتع بالحرية مثل بقية شعوب العالم، وإذا كنا نؤمن بأن الشعب مصدر السلطات، فإن من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إلغاء قرار شعب كردستان الذي عبر عنه في استفتاء 25 أيلول.