لا اعتقد ان هناك من يمكنه ان يتهمني بمعاداة الكورد او حتى حكومة اقليم كوردستان، فانا ادرك واعي ضرورة العيش المشترك، وقد وقفت في الكثير مما انشره وهذا هو مجالي العام، مع الكورد والقضية الكوردية، ودافعت عن سياسية الاقليم وحاولت تبرير بعض الممارسات، بحجة ان الاقليم امام استحقاقات كبيرة ولذا فهو بحاجة إلى حشد القوى للدفاع عنه وعن شعبه. كما انني دافعت وبقوة عن الراي القائل بضم مناطق سهل نينوى إلى الاقليم ولمبررات رأيتها صائبة وتحقق مصالح الطرفين، أي الاشوريين والكورد.
في قضية منطقة نهلة والتجاوز على قراها، كان القضاء قد حسم القضية لصالح صاحب الارض المتجاوز عليها وهو اشوري، ولذا تم ازالة التجاوز وبقرار قضائي. ولكن المفاجئة وفي هذه الظروف العصيبة التي تحيط بالاقليم، ان يقوم نفس الشخص وبالرغم من القرار القضائي، بالعودة إلى البناء والتجاوز ورغم انف القضاء والسلطة وحكومة الاقليم، التي باعتقادي عليها ان تقدم استقالتها لانها ان كانت امام فرد واحد ليست قادرة على فرض القانون، فهل ستستطيع ان تدافع عن شعب الاقليم امام مطامح الاخرين.
ان أي دولة او اقليم يحمل جزء كبير من صلاحيات الدولة، ويحترم ذاته ويحاول ان يكون جزء من العالم المتحضر او يسوق نفسه على انه كذلك، فيجب ان تكون من اولياته تحقيق العدالة، وان لم يتمكن من تطبيق العدالة بشكل مطلق على الاقل ان يطبق ما صدر عن محاكمه والا سيكون السؤال مشروعا، عن ضرورة هذه الحكومة او الادارة؟
كيف يمكن لشخص ان يدافع عن وطنه او ارضه او حتى مبادئه، وهو يشعر بانه مهان وانه يستعمل أداة لتحقيق مأرب الاخرين وطموحاتهم الذاتية. ان ما يعانيه الاشوريين في الاقليم من التمييز والاستعلاء وتجاهل حقوقهم وشكاويهم او التجاوز عليها وبشكل صريح وبلا ادنى خوف من عقاب، حالة يمكن تلمس وجودها بين الكورد ايضا وخصوصا الفئات الفقيرة والهامشية والتي لا تعتبر جزء من منظومات عشائرية او مسنودة. ان هناك تراتبية للظلم والاضطهاد يمكن وصفها ان الكوردي يمكن ان يظلم كورديا اخر لانه غير مسنود، ولكن الكورد جميعا يمكن ان يظلموا الأشوري لانه اصلا، معتبر حالة يمكن للجمع التجاوز عليه وعلى ممتلكاته.
خلال اكثر من خمسة وعشرون سنة من عمر حكومة الإقليم، لم تحاول ان تبني الناس على روح المواطنة وعلى المساواة وعلى احترام القانون. بل يمكن القول انها حتى لم تحاول، تطمين الناس إلى انها بصدد معالجة الانتهاكات والتمايز الحاصل.
اليوم وامام المأزق الذي وقعت فيه الحكومة ووضعت شعب الاقليم فيه، جراء ما حصل بعد الاستفتاء، فهل تريد الحكومة القائمة ان تترك الحبل لغاربه وكل يمارس ما يبتغيه، أي قتل أي امل في إقامة إدارة تدرك وتعي ضرورة الحفاظ على حقوق المواطنين؟
قبل فترة كانت بعض الأطراف الأممية قد اتخذت قرارا باعتبار الحل لمشكلة التجاوز على الاراضي في منطقة نهله، كحل مثالي يمكن ان يتخذ كمعيار لما يجب ان يتحقق في القضايا الأخرى، ولكن ما يحصل الان لا يعتبر فقط استهزاء بالحكومة والقانون، بل رفع رايه ان القوة هي الحاسمة وهي التي تفرض إرادتها رغم الحكومة والأمم المتحدة. فبقيام هؤلاء الاشخاص بفرض ارادتهم رغم القول الفصل للقضاء، يعني ان حلم الدولة وحتى الإقليم يكادان يطيران، فالإقليم الذي لاي مكنه ان يحقق العدالة في قضية صغيرة، وهي احقاق حقوق مواطنين في ارضهم الموروثة، كيف له ان يدير ميزانيات ويحدد الاوليات والاهم يحقق العدالة.
ان ما حدث في العراق وسوريا وليبيا وما يحدث في اليمن، من تحول بلدان غنية او يمكن القول يمكنها الاكتفاء الذاتي إلى بلدان فقيرة وفي اسفل قوائم الدول التي لا يمكنها توفير مستلزمات العيش لابنأها، كان يجب ان يكون رسالة قوية لحكومة الاقليم لكي تقيم دولة القانون والعدالة، لان اهم ما ادى إلى الواقع القائم في هذه الدول هو غياب العدالة والقانون. وعندما تغيب العدالة والقانون، فلا لوم على المواطنين للتعامل مع أي طرف يوعدها بما تفتقده.
من مظاهر الفساد التي شاعت في العراق والإقليم، يكاد المرء يؤمن ان احد اهم شئ مفتقد لدى الفئات الحاكمة هو روح المواطنة. او روح الانتماء إلى هذه البقعة. فالسرقات كانت على المكشوف، ونظرة واحدة على كشوفات من تم تسجيلهم على انهم من ضحايا النظام وانهم عانوا بسبب معارضتهم له او لانهم كانوا في المعارضة المسلحة، تكفي لكشف الكثير من المسروقات التي تم السكوت عنها، لاسكات المعارضين او الطامحين الاخرين للسلطة. وما ذكرته هو غيض من فيض، ما حدث ويحدث من السرقة العلنية والتي تثبت روح عدم الانتماء للوطن وللارض.
يعيش شعبينا الأشوري والكوردي على هذه البقعة، ولا نريد فتح صفحات والام التاريخ، لاننا نؤمن ان الجغرافية قد جمعتنا وعلينا ان نعيش سويا، وان نتقاسم الافراح الاتراح. ولكن ليكون التقاسم عادلا علينا ان نشارك في القرار سوية. فحديثا ومنذ عام 1961 وليس قبله، قام الكورد بثورة ايلول، ورغم عدم استشارة شعبنا في القرار، كان شعبنا مشاركا وداعما، وقد خسر جراء ما حدث المئات من القرى بكل ما فيها من الثروات الحيوانية والممتلكات الأخرى ونزح إلى المدن وهو لا يملك الا ما عليه من ملبس. وعندما حان وقت القطاف عام 1970 ورغم كل امالنا بتحقق المساواة والعدالة، كان الجني فقط للاخوة الكورد، فالاشوريين لم يحصدوا شيئا يذكر. ويتكرر الامر مرة تلوة الاخرى، واخرها كان عام 1991، فرغم المشاركة الأشورية في دعم السلطات القائمة، الا انه تم تهميش هذه المشاركة، وكان القرار يطبخ في المكتبين السياسيين للبارتي واليكتي. وخلال هذه الفترة تم تسجيل الكثير من التجاوزات الفردية وحتى الحكومية على ممتلكات شعبنا، دون ان يتم تحقيق العدالة لهم، فهناك الكثير من أراض شعبنا قامت الحكومة بالاستيلاء عليها وانجاز مشاريع عليها دون ان تقدم ما يستحقه اصحابها. في سابقة خطيرة وهي ان اصحابها ممن لا حول ولا قوة لديهم. وفي خطوة لتكريس عامل القوة في الحسم بين الناس.
ان العالم ينظر للدول بمنظار كيف تتعامل مع مواطنيها، فالاتحاد السوفياتي وبكل جبروته وقوته واسلحته النووية، انهار لانه لم يحترم مواطنيه. واليوم وانتم ياحكومة الإقليم وانتم تتركون يد القوة الغاشمة، اليد المسنودة عشائريا وحزبيا، بان تقوم بما تريد بدون حساب او مراقبة، فانتم ترسلون عين الرسالة التي ارسلها الاتحاد السوفياتي وصدام والاسد والقذافي للعالم، انه لا يهمكم امر مواطنيكم سواء ان تحققت العدالة لهم ام لا. ولتدركوا ان ما ستنتظركم هو عين النتائج التي تلقاها من ذكرناه.