في الحديث السابق كنت قد اشرت الى كارثة حرب الاشقاء بين البارتي واليكيتي في اقليم كردستان كخطوة اولى في توضيح اهمية المسائلة والمصارحة للوصول الى التصالح الوطني في الاقليم .

اول معرفة لي بفكرة المساءلة والمصارحة والتصالح مع التاريخ في شرقنا جاء من الحراك السلمي لمنظات المجتمع المدني والمفكرين في تركيا وذلك بالتزامن مع توجه حزب العدالة والتنمية الى ايجاد حل سلمي للقضية الكردية في السنوات الاولى لوصوله الى السلطة .

عام 2009 عقد اول مؤتمر عالمي للاطباء الكرد في ديار بكر في اجواء مليئة بالتفاؤل في حل القضية الكردية . بعد الانتهاء من الجانب العلمي للمؤتمر تم الانتقال الى الجانب الثقافي ــ السياسي تحت عنوان المصارحة والتصالح بين الدولة والشعب في تركيا بسبب التركة الرهيبة لتاريخ الدولة في ظلم شعبها .

اشترك في تلك النقاشات منظمات المجتمع المدني وخاصة النقابات وعلى رأسها نقابة الاطباء في تركيا .

منذ ذلك اليوم تشكلت لدي قناعة تامة بان الحركة السياسية الكردية هي ايضا بحاجة ماسة الى اجراء المصارحة والتصالح فيما بينها وبين شعبها وهو تاريخ لا يخلو من التآمر والعمالة وحب التبارز والتسلق والنميمة وحروب ومعارك الشائعات والتلطيخ وصولا الى التصفيات الجسدية .

عند وصول حزب العدالة والتنمية التركي الى سدة الحكم عام 2002 بدأ الصراع بين هذا الحزب والدولة السرية . حينها طالبت العديد من منظمات المجتمع المدني بالكشف عن كل ما ارتكبته الدولة السرية من ظلم وتعسف وتصفيات ضد المواطنين على مدى 90 عاما لاسيما استبداد وتسلط الجيش وانقلاباته وجرائمه ضد المواطنين المتدينيين المسلمين والذين الآن يمثلون القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية وجماهيره الانتخابية .

جرائم الدولة السرية في حق الكرد كانت باختصار سياسة الانكار والتهجير والتتريك والمجازر ضد الشعب الكردي .

تاريخ الدولة السرية هو في نفس الوقت تاريخ الدولة التركية الكمالية بمعظمه علما انه يمتد الى فترة حكم الاتحاد والترقي حوالى عام 1908 . الدولة السرية كانت تحت سيطرة العسكر من خلال الحكم من خلف الستار . كانوا مثل الاشباح لا تراهم وهو أسوأ انواع الحكم على وجه الارض .

تاريخ الدولة التركية كله تآمر وانقلابات وسجون وتهجيروقمع للحريات والسجن والتعذيب .

الدولة السرية كان همها الاساسي محاربة الكرد وانكارهم وصهرهم وكذلك محاربة الاسلاميين ومنعهم من ممارسة السياسة او وصولهم الى مناصب هامة في وطائف الدولة ومنعهم بتاتا من الوصول الى مراكز عليا في الجيش لاسيما في هيئة الاركان .

باختصار عاش الشعب التركي تحت استعمار وظلم واستبداد جيشه مدة ثمانين عاما اي حتى وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في 2002 .

الانتقام من الدولة هو امر صعب وقد يؤدي الى حروب داخلية ودمار البلد . لذلك رأى الكثيرون حينها ان الطريقة الوحيدة للحفاظ على بقاء الدولة والسلم الاهلي والتخلص من الدولة السرية هو في المصارحة وفضح جميع جرائم الدولة بحق ابنائها وبالتالي التصالح مع هذا التاريخ المشين . وماذا عن الخونة الجحوش ؟ هل نبيدهم كالحشرات بـ د د ت ؟.

تم السير خطوات لاباس بها في مجال التوعية للوصول الى التصالح بين الدولة والشعب . ولكن انحرف المسار بانحراف حزب العدالة والتنمية عن مبادئه وغياب معظم قيادييه من المؤسسين . انحرف المسار في مجالات كثيرة ومن بينها محاولة المصارحة والتصالح وهو سبب تخبط الدولة والحكومة مرة اخرى حاليا كما يراه الجميع .

تاريخ الحركة الكردية السياسية في شقيها الطالباني والبرزاني في اقليم كردستان مليء بالاخطاء والجرائم والفساد وذلك بالاستناد الى ما يقوله الطرفان بالذات في حق بعضهما البعض . لذلك اعتقد ان مشروعا للمصارحة و التصالح مع تاريخ الحزبين و مع التاريخ القصير لعمر الاقليم ضروري للخروج من هذه الخصومة الازلية وازالة الاحتقان والاحقاد والعداء من خلال التصالح مع التاريخ الرديء .

الغاية هنا ليس اتفاقا او تحالفا عابرا بين الحزبين كما حصل مرات كثيرة سابقا مع الفشل في كل مرة وانما الامر هنا هو كشف وفضح التاريخ المشين لفتح الطريق الى التصالح الحقيقي ومن ثم متابعة المسيرة بالتنافس الشريف على كسب الجماهير كبقية احزاب العالم .

في الحديث القادم مقترحات عملية في كيفية الوصول الى المصارحة والتصالح بدءا من كيفية المساءلة . 

كاتب كردي

[email protected]