يصطخب الشرق الأوسط باحداث وصراعات وتحديات تقترح على حكومات الدول تبني مواقف تتناسب مع عناصر قوتها وموروثاتها الوطنية والقومية، والمذهبية أخيراً، وإذ تشارف المعركة ضد داعش على تثبيت الانتصار والقضاء على بنيته العنفية والفكرية، فأن أفق الصراع المذهبي ينذر بإندلاع حرب بين المملكة العربية السعودية والدول المتحالفة معها مقابل ايران والقوى المساندة لها، ومع استمرار بناء الخنادق في هذين المحورين أطلت برأسها أزمة القدس والدور الأمريكي الذي دفع بالصراعات نحو التسخين، وفتح لها نوافذ إضافية يختلط فيها القومي مع الديني والأثيني في جغرافية أرض نصفها مقابر جماعية .

 موقع العراق الجيوسياسي جعله بمنخفض وقائعي للأحداث والصراعات التي تشتعل بالمنطقة ولأنه الحد الفاصل بين ايران والسعودية، وهو العمق الاستراتيجي القومي للأمة العربية وصراعها مع اسرائيل كما كان سابقاً، الأمر الذي جعله يدفع ضريبة الاحتلال الأمريكي وماتبعه من احتلالات أخرى والحرب ضد الإرهاب وداعش، ناهيك عن الأمراض المستعصية التي استبدت بجسده السياسي والوطني، جراء فساد النظام السياسي الذي دفع به لحدود المرض والهزال واغرقه في شبكة فوضى وفشل اداري وتراجع اجتماعي وثقافي، وديون غير مسبوقة بتاريخ العراق اذ تبلغ نحو 130 مليار دولار، ناهيك عن المشاكل التي تهدد وحدة التراب والوجود للدولة العراقية .

 امتاز موقف العراق الدولي خلال السنوات ال14 الماضية بالتأرجح مابين الموقف المذهبي الطائفي مرة أو القومي في موقف آخر أو ترضية لهذا الطرف الدولي أو ذاك، بمعنى آخر كانت مواقف لاتخضع لرؤية أو فلسفة ثابتة تقوم على المصالح الوطنية للعراق بل إنعكاس للواقع الداخلي المتشرذم مذهبيا وقوميا ً.

 أزمة القدس والتهديد الاسرائيلي لحزب الله اللبناني والصراع الإيراني السعودي وأزمة اليمن والبحرين ومايحدث في سوريا من تداخل عنفي وتقاطع مصالح للدول، هذه الاحداث جميعها تنادي على العراق ان يشارك ويكون له دورا في محاور الصراع، وبضغط من الإنفعال الديني أو التابعية الطائفية تجد بعض الفصائل المسلحة تندفع بأتجاه المشاركة الميدانية في هذه الحرب المفتوحة، تقابلها دعوات لعدم زج العراق بهذه الحروب والتزام منطق الحياد وعدم التدخل لأنه قد أنهك في حروب متصلة منذ ثلاثة عقود .

 الحقيقة الموضوعية التي ينبغي الأخذ بها، أن العراق عليل، مطوق بالأزمات الكبيرة، بلد ينوء بحمل مديونية أكثر من مئة مليار دولار امريكي، مع ميزانيات سنوية تعاني نقصاً وبظروف يجعلها متلازمة لحالة الفقر في الموازنة، وطن لم ينفض تراب المعارك عن كتفيه ولم يمسح دخان الحروب ولهيب النيران عن عينيه، شعب يعاني أمراضا متعددة وطبقة سياسية منتجة لأبشع أنماط وثقافات الفساد والتخلف الاجتماعي، أزمة وجودية عظمى لايمكن اختزالها ببضعة أسطر، لهذا فأن العراق يحتاج الى عشر سنوات - بأقل تقدير- كي يتعافى قليلا، وفي ظل نظام يتوفر على التخطيط والادارة الصحيحة والنزاهة، الأمر الذي يشترط عليه معالجة مشكلاته وأزماته الكبيرة، ولايُزج بحروب ومواقف اقليمية وحروب بينية، وبخلاف هذا يكون العراق قد دخل مرحلة الانتحار الذاتي .