يجمع العديد من المحللين السياسيين الذين تابعوا بدقة الخطاب المتلفز الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي يوم امس 9 / 12/2017 , بأنه جاء في ظروف استثنائية تعيشها منطقة الشرق الاوسط من جهة , وظروف واوضاع إستثنائية يعيشها العراق بالكامل يصاحبها ازمة اقتصادية وسياسية خانقة منذ أكثر من( 3 ) سنوات من جهة ثانية , وخاصة بعد ان تمكنت عصابةِ داعش الارهابي من احتلال المدن والعديد من المناطق العراقية وتخريبِها وتهجيرِملايينِ العراقيين وتحويلهم إلى لاجئين في وطنهم يطلبون العون والمساعدة رغم أن بلدهم هو من البلدان الغنية في العالم ويمتلك ثروات عديدة.

يأتي (خطاب النصرالعراقي ) على أرضية واضحة جدا ومبني على حقيقتين واضحتين : ( النصر السياسي الداخلي والحفاظ على وحدة العراق الذي كان على حافة التقسيم ( حسب تصريح العبادي ) , والنصر العسكري على داعش) , وعليه ليس بالأمر المفاجئ أن تختلف القراءات والترجمات لخطاب القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي ، وأن يكون محط جدل ونقاش كبيرين، لأسباب عديدة أهمها : فخطاب العبادي لم يختصر مشهد الأحداث في العراق و إقليم كوردستان فقط, بل كان خطاباً شاملا وخاصة بعد ان فتح العراق صفحة جديدة للتعاون (العسكري والاقتصادي) مع الدول المجاورة وتحديدا تركيا بين قوسين , وخاصة بعد اجراء الإستفتاء الكوردستاني وفرض العقوبات العراقية والاقليمية على إقليم كوردستان ، فكان خطاب العبادي الذي ألقاه في العاصمة بغداد يوم امس خطابأ (عراقيا بنكهة اقليمية بحتة ) يحمل العديد من الرسائل الضمنية أهمّها : 

 

1 ـ لم يخلو (خطاب النصر) من لغة التهديد و الوعيد أو على رأي البعض ( العصا لمن عصا ) ، بمعنى اخر اعتبر العبادی أن وحدة العراق بمثابة (خط احمر لا يمكن المساس به اطلاقأ ), وفي هذا السياق قال : ( إنَ فرحةَ الانتصارِ اكتملتْ بالحفاظِ على وحدةِ العراق الذي كان على حافةِ التقسيم، وإنَ وحدةَ العراقِ وشعبِه اهمُ واعظمُ انجاز، فقد خرجَ العراقُ منتصراً وموحداً ) . 

2 ـ بعد ان طالبت الولايات المتحدة الامريكية العبادي بأن يعمل على حل المليشيات التابعة لإيران في العراق ومارست ضغوطا على بغداد لإنهاء دور الحشد الشعبي وحل قواته بعد انتهاء الحرب على داعش واتهامه بأنه (تابع لإيران ) من جهة، ووصم قادة بارزين فيه (بالإرهاب) من جهة أخرى , على سبيل المثال ( أبو مهدي المهندس)(1 ) الذي يشغل نائب قائد الحشد الشعبي, امتدح العبادی فی خطابه قوات الحشد الشعبي واشاد بدورها في الحفاظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه. واعتبرها (أمل العراق والمنطقة في دحر الارهاب ) وشدد في خطابه التاريخي على انه : (سيسجلُ التأريخُ الموقفَ المشهودَ للمرجِعيةِ الدينيةِ العليا لسماحةِ السيد على السيستاني وفتواهُ التأريخيةِ بالجهادِ الكفائي دفاعاً عن الارضِ والمقدسات، تلك الفتوى التي استجابتْ لها الجموعُ المؤمنةُ شِيباً وشُباناً في اكبرِ حملةٍ تطوعيةٍ ساندتْ قواتِنا المسلحةَ وتحولتْ بعدَها الحربُ ضدَ الارهابِ الى معركةٍ وطنيةٍ شاملة قلَّ نظيرُها وتشكّلَ على اساسِها الحشدُ الشعبيُ وقوافلُ المتطوعين ، کما ثمن دورهم في القضاء علن داعش ) . 

3 ـ أغلق العبادي باب الحوارمجددا بوجه إقليم كوردستان بتجاهله(المتعمد) لدور وتضحيات قوات البيشمركة ضد داعش الارهابي , حيث لم يذكر العبادي في خطاب النصر (كلمة واحدة ) عن دور قوات البيشمركة البطلة التي قدمت ( حسب تصريح مؤسسة صحة البيشمركة التابعة لوزارة البيشمركة في حكومة اقليم كردستان،لحد 10 من شهر تموز 2017، ( 1745 ) شهيدا ، بالإضافة الى اصابة( 10 الاف و69 ) من البيشمركة بجروح مختلفة، حيث ادى البعض من تلك الاصابات الى اعاقات جسدية تسببت في احالة المصاب الى التقاعد، فيما اصبح( 63 )من البيشمركة في عداد المفقودين بسبب المعارك مع داعش في تلك الفترة . 

 

4 ـ اكد العبادي في خطابه على التزامه بالعملِ على سيادة سلطةِ القانون في جميعِ (انحاءِ البلاد) ( فی اشارة الی سيطرة بغداد على اربيل والمنافذ الحدودية والمطارات وفرض الحصار الاقتصادي وارغام الإقليم على الغاء نتائج الإستفتاء وقطع الطريق أمام جهود القيادة الكوردستانية ، من أجل استقلال كوردستان الذي تسعى الدول الاقليمية وبكل الطرق لمنعه . 

 

5 ـ شدد العبادي على احترام الدستور والقانون ,وقال : إنَ حصرَ السلاحِ بيدِ الدولة وسيادةَ القانونِ واحترامَه هما السبيلُ لبناءِ الدولةِ وتحقيقِ العدالةِ والمساواةِ والاستقرار) ، بالرغم من معرفته المسبقة عن عجز الحكومة العراقية في حصرَ السلاحِ بيدِ الدولة , وخاصة بعد ان فشل العبادي في استعادة الأسلحة من العشائر العربية في وسط وجنوب العراق , بعد ان اصطدمت آلية سحب السلاح بمعوّقات كثيرة وكبيرة جدا , بحجة ان ( الارهابُ عدوٌ دائم والمعركةُ معه مستمرة) . 

 

6 ـ اعلن العبادي حالة الطوارئ ضد الفساد والعمل على بناء وطن قوي ، بعد ان وضعت منظمة الشفافية الدولية العراق بالمركز (الثامن)ضمن الدول الاكثر فساداً في العالم, ولکن السؤال المطروح هنا هو : 

کیف یستطیع الفاسد ان یقضي على الفساد ؟ ,بمعنى اخر , أن العبادي متهم بملف فساد آبان توليه مهام وزير الاتصالات بعد أن كشفت (الولايات المتحدة وثيقة تبين أنه استلم رشوة بقيمة 5 مليون دولار من قبل شركة عراقنا للاتصالات )،إضافة إلى انه كان أيضاً رئيساً (للجنة المالية ) والتي مهدت للمالكي لهدر( 720 ) مليون دولار من تصدير النفط بغض النظر عن واردات المنافذ الحدودية ، ولذلك يتم تلخيص القول بأن محاربة الفساد تعتبر اكذوبة وقد تطال فقط بعض المسؤولين دون المتهمين البارزين ( حيتان الفساد ) ، وأن التلويح بملف محاربة الفساد سيعتمد المساومة مع كتل واحزاب اخرى بغية الوصول (لولاية ثانية للعبادي كما فعل المالكي من قبله ) , (لهذه الاسباب اعتقد ان اعلان الحرب علی الفساد هو دعاية انتخابية مبكرة لا اقل ولا اکثر ) . 

 

اخيرا ... اعلن العبادي يوم امس عيدا جديدا للعراق ولكن اخطأ في(اختيار التوقيت المناسب) , حيث تزامن إحتفال وخطاب النصرالعراقي مع ( الوجع والعزاء والألم و الانكسار الفلسطيني بعد إعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ) ....!! , إضيف إلى ذالك ,ان العبادي نسى او تناسى بان الانتصار على داعش ( فكريا عبر منهجية ثقافية مدروسة ) اهم بكثير من الانتصارات العسكرية حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي التي دفعت الشعوب العراقية اثمانا باهظة لها وما زالت تدفع .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ ( أبو مهدي المهندس) الذي يشغل نائب قائد الحشد الشعبي تم إدراجه في قوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة عام 2009 ، وتعود أسباب تصنيف( المهندس)في قائمة الارهاب إلى دوره بتفجير( السفارتين الأميركية والفرنسية) في الکویت عام 1983، كما يتهم بالضلوع في محاولة لاغتيال أمير الكويت السابق جابر الاحمد الصباح عام 1986، ويعتبر( المهندس) مطلوبا للكويت، كما أنه موضوع على قوائم الانتربول الدولي للمطلوبين .