حال مسيحيي الشرق، لا تسر، فحتى الوصف أحيانا يصعب على المرء، لأنه سيصاب بالعجز عن وصف حالهم.

تعالوا نمر سريعا على السنوات الثلاثة الاخيرة من حياتهم في العراق وفي مناطقهم خصوصا وفي سهل نينوى بالاخص. قبل ثلاث سنوات اجتاحت عصابات داعش الموصل وبعدها منطقة سهل نينوى، وتعرض المسيحيون الى انتهاك فضيع، فبالإضافة الى انه تم تجريدهم من كل ممتلكاتهم المنقولة، وتمت مصادرة ممتلكاتهم الغير المنقولة مثل الاراضي ودور السكن ومواقع العمل. فان بعض نساءهم تعرضن للسبي وسجن الكثير من رجالهم وفرض الاسلام على اخرين. من قام بذلك، انها عصابات داعش، ولكن ممن تتكون هذه العصابات، لقد كانت مع الاسف من ابناء المسلمين من نفس المناطق. المسيحيون هربوا واحتموا باقليم كوردستان كاخر ملاذ لهم في العراق، بعدما تم تحجيم وجودهم في بغداد والبصرة والانبار، ولحقت بها الموصل وسهل نينوى. ولازال الكثير منهم يتملكهم الخوف من العودة الى املاكهم، وبيوتهم. الكثير منهم لم ينظر الى وراءه، فاخذ طريق سابقيه وخرج الى المهاجر لا يلوي على شئ.

تم طرد داعش، وعاد الكثيرين من العرب الى مناطقهم، ومع الاسف الكثير من الدواعش ومعهم ايضا، كما يقال من سبوهم من الازيديات والمسيحييات نساء واطفالا، وانبرى الكثيرين للدفاع عن الدواعش، على انهم تحت ظل الخوف والرعب انضموا الى الدواعش، وعلى الدولة والمجتمع عن يرأف بهم، ويحاول ان يتفهم ظروفهم. اما الضحية فعليها السكوت لاجل تحقيق المصالحة الوطنية. ولكن السكوت ليس المطلب الوحيد،بل ان تتقبل التغييرات الجديدة. فبعد الدواعش اتت اطراف اخرى، تحمل نفس الايديولوجية الدينية، ونفس التوجهات ونفس القوانين، وان كانت باسم مذهب اخر. لا اعلم ماذا سيتغيير عند المسيحي، لو كان مضطهده شيعيا حشديا عن من كان داعشيا. ان كان داعش قد دفعهم الى ترك المنطقة او دفع الجزية مع محاولة فرض الاسلمة ولو بالقوة احيانا. فان الحشدي مع الاسف وباسم انقاذ الوطن الذي باعه بعضهم، يحاولون ان يفرضوا ابناء مذهبهم، الشبك الشيعة كاوصياء على كل مناطق المسيحيين، ليس كاخوة متساويين كما طالب المسيحيون مرارا ، بل كاوصياء على الجميع الناس والارض.

بالامس وبطريقة غير مباشرة كان البعض يهدد المسيحيين، ويتهمهم بالعنصرية، لاي شئ؟ لانهم حاولوا ان يطرحوا معاناتهم. فعيب على المسيحي ان يطرح اي معاناة، ان مجرد بقاءه حيا، كافي، ليقدم شكره وامتنانه لمن تركه حيا. على المسيحي ان يتقبل وبكل رحابة صدر، ان ياتي اي مسلم وباي حجة ويسكن بيته او غرفة في بيته، والا فرفضه ذلك معناه انه ناكر جميل من حرره من داعش. ولم يقل احد ومن اتى بداعش، ومن فسح لهم المجال ومنح لهم الاسلحة، الم تكن الحكومة التي يسيرها نفس المكون؟ على المسيحي ان لا ينطق حينما يرى بان الشيعي الحشدي يحاول ان يستولي على ممتلكاته، انه نكران للجميل واي جميل؟ وعلى المسيحي الصمت والا فهو عنصري.

تعرض الطلبة المسيحيون في جامعة الموصل ومنذ سنوات عدة الى التهديد والوعيد وفرض القيم الاسلامية عليهم، ووصل الامر الى اغتيال عدد منهم، لا بل هوجمت سيارات النقل الخاصة بهم وقتل من قتل واصيب من اصيب منهم. ولذا طالبوا بفتح جامعة خاصة بهم. على الاقل لحمايتهم وليتمكنوا من ان يستكملوا تعليمهم، وبدأت الاستعدادات وتمت المباشرة في التعليم، في جامعة الحمدانية. وتم تهجير الجامعة ضمن ما هجر من اهالي سهل نينوى، وقامت الكنائس بدورها الكبير في توفير اغلب ان لم نقل كل احتياجات جامعة الحمدانية المتنقلة قسرا الى اربيل، وكل احتياجات الطلبة، وبدون ان تفرق بين الطلبة بسبب الدين او القومية. واليوم عادت هذه الجامعة الى موقعها، وتم تنسيب بعض الطلبة المسلمين من الجنوب اليها. ولكن المنطقة منكوبة، ولا تتوفر فيها كل مستلزمات اسكان اهلها فكيف باسكان الطلبة. ورغم ذلك تم توفير مسكن للطالبات وبعد جهد تم توفير اماكن ايضا للطلبة. من هذه الازمة خرجت صرخات الاخوة الشيعة متهمة المسيحيين بالعنصرية وبانهم لا يريدون ايواء الطلبة في مناطقهم. وبدلا من توجيه الاتهامات الى الحكومة التي لم توفر مستلزمات ايواء الطلبة الذين وزعتهم مركزيا، وجه اللوم إلى المسيحيين المنكوبين.

المشكلة الاخرى ان بعض الطلبة قام بالتحرش بالنساء والفتيات وجاراهم بعض منتسبي الحشد الشعبي في ذلك، وخاصة من المكون الشبكي. هنا يجب ان نعود ونقول جار المسيحي السني المتحول الى الدعشنة، سرق واعتدى وسبى المسيحي باسم الاسلام، وجار المسيحي الشيعي الشبكي المحشدن، سرق املاك المسيحي وحاول الاعتداء على نساءه وبناته. لا اعلم ما الفرق بين الامرين وبين الاسلام السني والشيعي؟

من المؤكد، ان الكثيرين، يؤمنون بمبداء القوة والفرض، وانهم لا يريدون ان يتعلموا ان القوة والفرض، تولد الانفجار في النهاية، ان القوة والفرض، تفرض على الاخر اللجوء حتى الى الشيطان للتخلص من الظلم. مع ان تجاربنا الفاشلة مع القوة والفرض كثيرة ، وكل هذه التجارب، جلبت المأسي على الجميع. ان الاستقواء بالعدد وبالدين وبالمذهب لسلب الاخر، لم ولن يخلق او يبني وطنا. بل ساحة صراع تمتد كل الأيادي اليها. ان من يحاول ان يستقوى لكي يفرض ما يريد، ويأخذ ما يريد، يريد ايصال رسالة واحدة فقط، وهي ان مفهوم الوطن لديه معدوم، انه يؤمن فقط بالسلب. انه يؤمن بقانون العشائرية الذي كان يبيح السلب والقتل والثأر والسلطة للقوي. في عصر وزمن يعتبر بلده جزء من العالم وبلده ملتزم بقوانين دولية ستفرض عليه الكثير من العقوبات التي قد لا يراها ولكنها تعزل البلد وتؤثر في مستقبله. ان خالف التزاماته القانونية تجاه مواطنية. 

في العراق ايها المسؤولين وايتها المرجعية، المسيحيين حائرون لمن يقدمون الولاء، فان كان للوطن، فانهم قدموه مرار وتكرار واكثر من اي مكون اخر. ولكن ان يتركوا الوطن ويقدموا الولاء والطاعة للطوائف والقوميات النابع من الرغبة في فرض القيم وصولا الى تحويل الانسان الى عبد لرغبات المنتمين الى هذه الطوائف والاحزاب والقوميات، فهو لامر مهين للكرامة الانسانية.

المسيحيون، ايها السادة، ليسوا عنصرين، بل هم وبقية المكونات الاقل عددا، كانوا الاكثر انفتاحا، وكان دورهم ملاحظا في الكثير من المجالات التي تعبر عن الرغبة في تطوير البلد، ثقافيا وعلميا واقتصاديا واجتماعيا. ولكنهم و الاخرين ايضا ورغم انفتاحهم فهم لن ولم يقبلوا يوما ان يتم التعامل معهم بمهانة، ومن خلال الفرض والاستقواء.