الإدارة الأمريكية علي عهد باراك أوباما كانت تتساهل مع طهران لكن إدارة ترامب ستكون لها بالمرصاد ، هكذا إستخلصت وسائل الإعلام البريطانية بعد عشرة أيام فقط من تولي الرئيس الأمريكي الجديد للمسئولية في 20 يناير الماضي .. 

نشرت صحيفة الجارديان يوم 2 فبراير الجاري ملفاً كشفت مكوناته أن " إدارة ترامب تراقب إيران رسمياً بشكل مكثف " بعد التصعيد الذي مارسته طهران عن قصد وسوء نية وبعد استهداف الحوثيين اليمنيون اللذين تدعمهم مادياً وعسكرياً لسفينة سعودية في مياه البحر الأحمر ..

قبلها بيوم قالت صحيفة الديلي تلجراف علي لسان محرر شئون الدفاع كون كوجلين ان الرئيس الأمريكي اضاف بقرارته ضد مسلمي سبع دول عربية جو غير مبرر من الشك والخوف " يمكن ان تستثمره الجماعات الإرهابية والميليشيات الجهادية لإشعال مزيد من الحرائق في سوريا والعراق واليمن وليبيا " قد تمتد حسب رأي الكاتب إلي ما يجاور هذه الدول من " نظم حكم لا زالت مستقرة حتى اليوم " وربما تنجح في الوصول إلي قلب أوربا او أمريكا ذاتها " رغم الاحتياطات الأمنية " ..

تدل هذه التحليلات علي .. 

توافر معالم توجهات تصاعدية من جانب واشنطن حيال الملف الإيراني بكل مشتملاته وفي القلب منه ملفها النووي و ملف تحالفها الإستراتيجي مع سورية .. 

تريبيات متدافعة وإن كانت غير متناسفة لإعادة ملئ الفراغ الذي ورثته الإدارة الأمريكية الحالية عن سابقتها في الشرق الأوسط .. 

إعادة ترتيب بعضاً من مواقفها حيال الملف السوري بالتنسيق مع موسكو والبعض الآخر في ضوء آخر تقارير أجهزتها الأمنية ، دون وجود خط جلي يربط بينها .. 

تأكيد ترامب أنه لن يكون " رئيساً متسامحاً مثل سلفه " خاصة فيما تعلق بالنشاط الإيراني في العراق التى تساءل عن طبيعتة وجدواه ؟؟ .. 

هذه النقاط الأربعة غير المؤسسة علي أجندة سياسية واضحة أو أيديولوجية حزبية متمكنة تترك الباب مفتوحاً علي كافة الإحتمالات ، بما فيها الحرب المباشرة وغير المباشرة كما جاء علي لسان الرئيس الامريكي " لا يوجد شئ غير مطروح علي الطاولة " ، تحدد بداية عودة واشنطن إلي الساحة الشرق أوسطية كلاعب غاب عنها لثماني سنوات لمواجهة التمدد الروسي / الإيراني من ناحية ومحاربة للإرهاب بشقية السني والشيعي من ناحية ثانية .. 

كما نلمح ايضاً .. 

تصميماً إيرانياً علي التصعيد ، تعبيراً عن عدم الإستعداد للرضوخ للتهديدات الأمريكية الرامية إلي تقييد القدرات الدفاعية لإيران ، تابعته التقارير الأوربية السياسية علي مستويين .. 

الأول .. إطلاق تجربة عملية علي صاروخ باليستي قبل نهاية الأسبوع الأول لتولي الرئيس الأمريكيمهام منصبه ، إستوجب رد فعل فوري ومتشدد عكسه قيام ترامب بفرض مجموعة من القرارات العقابية علي عدد جديد من كياناتها الإقتصادية والإنتاجية والإستثمارية ..

الثاني .. إجراء مناورات حربية متعددة المستويات عكست تصريحات العسكريون المشرفون عليها تصعيداً ضد دول الخليج العربية وكذا القوات الأمريكية البحرية المرابطة فيه وفي مقدمتهم مستشاريها وقواعدها العسكرية هناك .. 

وهكذا عادت الإدارة الأمريكية الجديدة إلي منطقة الصراع الذي تقوده إيران علي مستوي دول الجوار تحت شعار " رفض سياسات واشنطن / أوباما التى عززت من مواقف طهران العدوانية " بما يوحي أنها تخطط – كما سبق أن أشرنا – لوضع نهاية لجولات الحرب بالنيابة التى تقودها ولوقف إمدادها للميليشيات العاملة تحت رايتها بالمال والسلاح والخبرة العسكرية ..

هذه العودة مشروطة بالتنسيق مع موسكو لسببين .. 

1 – انها علي علاقة ثنائية وثيقة بطهران فيما يتعلق بملفها النووي وكل ما يتصل به من منشئاتوأجهزة طرد ونقل لخبرات وتقينات .. 

2 – أن دعم النظام الحاكم في سوريا يتم منذ فترة طويلة بالتنسيق بينهما بغض النظر عن نقاط الخلاف التى برزت علي السطح في الأونة الاخيرة .. 

واشنطن تسعي لإستثمار هذا الخلاف لصالح الترتيبات غير المعلنة التى تفكر في تبادل الرأي حيالها مع موسكو ، مؤكدة انها لا تري غضاضة في ان يستمر حكم الرئيس بشار الاسد لفترة انتقالية محددة بشرط خروج الميليشيات التابعة لإيران وكذا قيادات حرسها الثوري من الأراضي السورية .. وأن يكون التركيز بعد ذلك علي تعاون الطرفان ضد بقايا العناصر القتالية التابعة للدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق !! .. 

السؤال الذي يطرحه الشارع السياسي في لندن علي وجه التحديد .. هل تقبل موسكو بهذه المعادلة التى تعني تفضيل تحالفها المرتقب مع واشنطن علي حساب تحالفها الحالي والقديم مع طهران ؟؟ أم يملك بوتين رؤية قد تقنع إدارة الرئيس ترامب بمنح طهران دور ولو هامشي ضمن التنسيق المستقبلي بين موسكو وواشنطن لقتال بقايا الدولة الاسلامية في كل من سوريا والعراق ؟؟ .. 

كافة الدلائل تشير من ناحية ان إدارة ترامب لن ترضي بدور لطهران إلا اذا وافقت علي سحب الميليشيات المسلحة التابعة لها من فوق الأراضي السورية .. وتؤكد من ناحية ثانية ان طهران لن تقبل بهذه الخطوة إلا اذا ضمنت روسيا لها ان لا يتعرض تواجدها في كل من العراق ولبنان لأي إبتزاز مستقبلي ، ناهيك عن عدم المساس بنصوص الإتفاق الذي ابرمته منذ نحو عامين مع مجموعة دول 5 + 1 حول ملفها النووي .. 

الكلمة الفاصلة في الملف السوري حتى اللحظة بين يدي موسكو .. وليس من المستبعد ان لا تتنازل عن أي من اوراقه ذات الصلة المباشرة باستراتيجيتها في الشرق الأوسط وإقليم الشام علي وجه التحديد ، إلا إذا ضمنت باعلي نسبة استكمال جني ثمار ترسيخ اقدامها في هذه المنطقة الممتدة من تركيا إلي جنوب الجزيرة العربية وبحر العرب وباب المندب .. 

وهنا يبدو في الأفق أكثر من سيناريو .. 

- أن تُبدي طهران إستيائها من التقارب الأمريكي الروسي فيما يتعلق بالملف السوري ، ومن ثم تتجه إلي نهج القيام بعمليات إنتقامية ضد الشعبين السوري والعراقي لزيادة عوامل عدم الأمان المجتمعي في كل منهما لدفع قطاعات من أبنائهما للوقوف معها ضد سياسات موسكو وواشنطن في صورتها التحالفية الجديدة .. 

- ان تتنازل إيران مؤقتاً عن تحالفها مع دمشق في سبيل المحافظة علي قواعدها الايديولوجيةوالعسكرية في العراق التى يمكن أن تمددها إلي شرق الجزيرة العربية وجنوبها ، تأكيداًعلي حقها في خلق توازن إقليمي قادر علي مواجهة تحالف موسكو وواشنطن المتعارض مع سياساتها .. 

قد يختلف البعض مع عنوان صحيفة الديلي تلجراف اللندنية التى قالت فيه يوم 31 يناير الماضي " الرئيس ترامب يُحطم الرقم القياسي كأسرع رئيس يَفقد تأييد أغليبة الشعب الأمريكي له " ويري انه يعمل بطريقة الصدمة الشعبية علي تنفيذ مصالح الولايات المتحدة العليا وفق وعوده الإنتخابية .. لكن هذا لا ينفي أن تركيزه علي الملف السوري يعطيه ثلاثة فرص " ناجحة " لإثبات قدرته علي إدارة الشأن الأمريكي الخارجي بنسبة عالية من الإقتدار .. 

الأولي .. تحجيم الإنتشار الإيراني وإعادة حصارطهران إقتصادياً ورفع راية التهديد بعمل عسكري ضدها إذا لزم الأمر .. 

الثاني .. المساومة علي تجريدها من عناصر إنتشارها خارج حدودها مقابل التخفيف من مبررات حصارها الإقتصادي ووقف أي مشاريع مستقبلية للضغوط السياسية ضدها عربياً وإسلامياً ودولياً .. 

الثالث .. فصم عري تحالفها مع روسيا خارج علاقتهما الثنائية والتقليل من فرص أي تعاون بينها وبين تركيا أو أي طرف اقليمي آخر .. 

عند هذه النقطة نقول .. 

الساحة الشرق أوسطية مرشحة خلال الأشهر القليلة القادمة لتفاعلات ربما تأتي مُزلزلة علي مستوي بعض عواصمها ومُغيرة لأشكال الحكم في بعضها الأخر ومؤيدة لتوجهات البعض الثالث .. 

وأي كانت نسب تحقق هذه التوقعات سلباً وإيجاباً ، فإن غدا لناظره قريب .... 

[email protected]