لم يشهد تاريخنا المعاصر هجرة جماعية واسعة للعرب الأهوازيين من وطنهم الا بعد قيام الثورة في فبراير 1979 وبشكل خاص خلال الحرب الإيرانية - العراقية التي استمرت لمدة 8 سنوات (80-1988) ودار رحاها بشكل رئيسي في اقليم عربستان.

فاذا كان اليمنيون،هم العرب الاوئل الذين هاجروا الى بريطانيا في النصف الاول من القرن التاسع عشر فيمكننا القول ان عرب الأهواز، هم آخر العرب الذين هاجروا الى بريطانيا وسائر البلدان الغربية في التاريخ المعاصر. ليس هذا فقط، بل في إيران نفسها، سبق الفرس ايضا العرب في الهجرة الى الخارج منذ اوائل القرن العشرين وذلك بسبب هيمنتهم على الحكم السياسي والاقتصاد في إيران. 

وقد اقتصرت هجرة الأهوازيين قبل الثورة الإيرانية على ايفاد بعض العوائل الميسورة لابنائها الى بيروت ولندن وباريس مثل بعض ابناء واحفاد الشيخ خزعل (آخر حاكم عربي لعربستان) وابناء واحفاد الشيخ نبهان العامري(اول مندوب للشيخ خزعل في الأهواز)؛ غير انه وخلال الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، اخذت بعض العائلات من الطبقات الوسطى من الأهواز والمحمرة ايضا ترسل ابناءها الى اوروبا والولايات المتحدة غيرانها لم تكن هجرة في ابعاد واسعة كما حدث في العقود الثلاث الاخيرة.

لقد ادت حرب الثماني سنوات الى هجرة داخلية واخرى خارجية، تجسدت الاولى في نزوح جماعي للعرب من مدن الاقليم وخاصة المدن والقرى الحدودية كالمحمرة وعبادان والخفاجية والحويزة والبسيتين والسوس الى سائر المدن الإيرانية. فقد هاجر هؤلاء الى مدينة شيرازوبوشهر وبندرعباس وكرج وطهران وخراسان وشمال إيران. ولم تسمح السلطات الإيرانية حتى الساعة بعودة الالوف من الأهوازيين الذين تركوا ديارهم بسبب الحرب في اوائل الثمانينيات من القرن الماضي. والمثال الابرز هو منع الحرس الثوري الإيراني، سكان الأقضية والقرى الحدودية التابعة لمدينة المحمرة المحاذية للعراق الذين يقطنون حاليا مدينة مشهد باقليم خراسان (شمال شرق)، من العودة الى مسقط رأسهم. ويبدو ان النازحين العرب المهاجرين من عبادان والمحمرة اثناء الحرب، عادوا بوتيرة اكبر الى عبادان والمحمرة قياسا بالمهجرين من الاقلية غير العربية.

تاريخيا لم تحدث مثل هذه الهجرة العربية بشكل عام والأهوازية بشكل خاص الى المدن الفارسية، الا اذا استثنينا ماحدث في اعقاب الفتوحات الاسلامية، حيث قطنت القبائل العربية وعلى رأسها قبيلة بني ربيعة، ربوع خراسان الكبرى (خراسان ايران الحالية واجزاء من افغانستان ومناطق اسيا الوسطى القريبة منها) والتي انصهرت في بوتقة السكان الاصليين ولم يبقى منها شيئا الا القليل.

وفي داخل إيران، استمرت هجرة العوائل العربية الأهوازية، لكن بوتيرة اقل،بعد نهاية الحرب الإيرانية – العراقية، خاصة الى مدن كرج وطهران وشيراز وكذلك الى خارج البلاد، لاسباب اقتصادية أو اثر عمليات القمع التي تتبع عادة المظاهرات والانتفاضات أو تفاقم حالات تلوث الهواء والمياه. وقد شملت الهجرة ايضا بعض العوائل من الاقلية غير الفارسية التي تقطن اقليم عربستان.

اذ اصبح لدينا حاليا جالية أهوازية لها حضوراجتماعي وظهور سياسي في الدول الاوروبية واميركا الشمالية واستراليا. 

نستطيع ان نعتبر العرب، بشكل عام، ناجحين في معظم المجالات التجارية والعلمية والسياسية بالمهجر، اذ اصبح 4 منهم رؤساء للجمهورية في اميركا اللاتينية منهم الرئيس الحالي للبرازيل ميشال تامر. ونحن نعلم ان السوريين واللبنانيين هاجروا الى اميركا الجنوبية والشمالية منذ عشرينيات القرن الماضي. كما ان هناك 13000 طبيب عراقي مسجل في بريطانيا، 1600 منهم يعملون في ال " ان اش اس" اي منظمة الصحة البريطانية الحكومية. فاذا عدنا الى المقارنة لايوجد طبيب أهوازي واحد في بريطانيا حسب علميوهي البلد الاقدم التي هاجر اليها الأهوازيون. كما لايوجد فيها الا تاجر او تاجرين أهوازيين صغيرين. لكن في مجال التعليم العالي يمكننا ان نعول على الجيل الثاني من الأهوازيين في بريطانيا وسائر بلدان المهجر، الذين بدأوا يدخلون الجامعات البريطانية ليدرسوا اختصاصات علمية وقانونية وسياسية. كما تمتلك الجالية العراقية في بريطانيا، العديد من المنتديات والمجلات الخاصة بها ويفوق نشاطها الثقافي والسياسي والاجتماعي، نشاط الجالية الإيرانية ومعظم الجاليات العربية.

لايختلط الأهوازيون مع الفرس في المنفى، الا القليل وذلك بسبب التفاوت الثقافي والخلافات السياسية وعدم الثقة المتبادلة بين الجاليتين. فاقرب الجاليات العربية للأهوازيين في المهجر هم العراقيون حيث هناك تماثل كبير في التقاليد والعادات والاعراف. غير اننا لايمكن ان نقارن عدد المثقفين والتجار والاطباء والمهندسين والخبراء العراقيين مع اقرانهم من الأهوازيين والسبب يعود اولا الى ان عدد سكان العراق اكبر من عدد سكان اقليم عربستان، وثانيا لدى العراقيين دولة اقيمت منذ اوائل القرن العشرين، خرج من احضانها الالوف من الكوادرالسياسية والعلمية والفنية، فيما ادى حذف العرب من السلطة في اقليم عربستان في نفس الفترة، الى الهيمنة الفارسية على مفاصل الدولة، مما حال دون التطور الاقتصادي والثقافي والسياسي للعرب واغلاق السبل الطبيعية لنمو البورجوازية العربية في عربستان وذلك خلافا لمثيلتها العربية في العراق بعد استقلال البلاد، اوماحدث للكرد بعد ان مسكوا بمفاتيح السلطة في اقليم كردستان بعد قيام الفدرالية في العراق.

وتعتبر الجالية الأهوازية شبه منغلقة في بريطانيا وسائر بلدان المهجر وتحاول ان تحافظ على هويتها ولغتها وتقاليدها مثل سائر الجاليات العربية، غيرانها تواجه مشكلة انصهار جيلها الثاني في ثقافة البلدان المستضيفة بنسبة 30 في المئة وللجيل الثالث بنسبة 100 في المئة. ويجب ان اذكر ان فئات واسعة من الشعب الأهوازي في اقليم عربستان تواجه نفس المشكلة، لكن الفرق بينهما، انه لايوجد فرض في المهجر الغربي، فيما هناك فرض قسري وخطط امنية وسياسية قديمة وجديدة لتفريس شعب عربي باكمله داخل إيران.

وقد اتخذت بريطانيا والدول الاوروبية الاخرى في السابق، سياسة الانصهار

Assimilation القائمة على صهروذوب المهاجرين في ثقافة البلد المستضيف لكن ومنذ عقود اخذت تتبع سياسة الاندماج Identificationوهي سياسة ايجابية تقوم على حقوق المواطنة والحفاظ على الهوية واللغة الاصليتين وهي العربية في حالتنا.

ويوصي الخبراء العراقيين في بريطانيا، حسب تجربتهم الاطول، على ضرورة ارسال الاطفال الى المدارس العربية في يوم عطلة السبت والتكلم معهم باللغة العربية في البيت، بل ويؤكد الاكثر تعصبا منهم على ارشادالشباب والصبابا للزواج من اقران عرب. غيران كل هذه المحاولات ستذهب سدا اذا لم يتفاعل الشخص مع بيئته الاصلية في داخل الوطن، خاصة بعد ظهور جيلين او ثلاث، وهذا ماشاهدناه بين الجاليات العربية التي هاجرت الى الغرب قبل عقود.