زمان كانت نقابة صحفيين وسط القاهرة ، بيتا جميل ، قلعة حقيقية للحريات ، تجمع كل ألوان الطيف السياسي ، تهفو إليها الأفئدة ، يجتمع فيها الجميع يظللهم الحب والاحترام ، منصب نقيب صحفيين يكن وجاهة اجتماعية بقدر ماكان عبئا ، فالنقيب يمثل ضمير الصحفيين ، رجل محايد ، لا تحركه الأهواء يقف على مسافة واحدة من الجميع ، قادر على تحويل الأزمات إلى انتصار، كثيرون من شيوخ المهنة قاموا بهذا الدور على أكمل وجه ، من بينهم كامل زهيري ، وأحمد بهاء الدين، وإبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد، وجلال عارف وغيرهم.

اليوم مشكلات الصحافة تتفاقم، وحال الصحفيين لا يرضي عدو ولا حبيب، ووضع النقابة يتجه نحو الانقسام والتشرذم، وهذا أخطر ما يواجه النقابة الآن ، أما مشكلات الصحافة فحدث ولا حرج، تضييق على الحريات، منافسة الصحافة الالكترونية والفضائيات، وهذا يحتم على الصحف إطلاق قنوات فضائية ومواقع الكترونية، وعمل شبكة مراسلين في كل مكان ينقلون الحدث وقت وقوعه وهو ما يتطلب تطوير أدوات المهنة.

في دول العالم المتقدم الصحفي التليفزيوني عضو في نقابة الصحفيين وعندنا في مصر لا تعترف نقابة الصحفيين بالصحفي التليفزيوني ، رغم أن الصحافة المرئية أسرع وافضل ، وتحظي بمشاهدة واسعة ، وهناك صحفيون لامعون مذيعون ومراسلون يقدمون الحدث صوتا وصورة من موقعه مباشرة، وتنقله عنهم الصحف ووكالات الأنباء ، في الماضي كان وزير الإعلام المصري الأسبق " صفوت الشريف " يرفض مطالب الصحفيين التليفزيونيين بعضوية نقابة الصحفيين حتى لا يشكل هؤلاء قوة ضغط عليه؟ كان يريدهم مجرد موظفين في اتحاد الأذاعة والتليفزيون لسهولة السيطرة عليهم ، وأخطر شيء أن يتحول الصحفي إلى موظف ، كيف لا يعتبرون هؤلاء غير صحفيين؟ إن العقليات الجامدة تنظر إلي الأداة وليس المهنة، ولا يرون التطور الذي جري في القنوات الفضائية، وأنها أصبحت سباقة في العمل الصحفي.
واعتقد أن أمورا كثيرة ستتغير مع صدور قانون الإعلام الموحد خاصة وقد أصبح للإعلاميين نقابة.

أما حال الصحفيين فيحتاج إلى نظرة، فالأوضاع المالية للصحفيين سيئة للغاية ، دخولهم قليلة تكاد تكفيهم بالكاد خاصة هؤلاء الذين ليس لهم مصدر دخل آخر غير البدل،ويزداد أعدادهم يوما بعد يوم مع اغلاق كثير من المؤسسات الصحفية لأسباب مالية أو تخفيض الرواتب لنفس الأسباب، وبالتالي لابد من البت في هيكل أجور للصحفيين بما حفظ كرامتهم، فمن العبث هذا الانفاق الضخم على شبكات فضائية تابعة لرجال أعمال وتدعمها الدولة وترك مؤسسات صحفية كبيرة في حالة يرثى لها.

حال النقابة ليس أفضل حالا من المؤسسات الصحفية ، لقد باتت منقسمة على نفسها ، وباتت تلعب سياسة ، وخرجت عن إطارها النقابي، فالصراع على أشده بين هذا وذاك ، بما يسهم في الدوران في دائرة مغلقة، هواجس الصحفيين يلعب عليها المرشحون على منصب النقيب لا لشيء سوى لكسب الأصوات، خاصة أصوات أعضاء النقابة الدخلاء على المهنة الذين حصلوا على عضوية النقابة بعقود وهمية شروها من بعض الصحف، وليس لهم إنتاج صحفي معتبر لقبول العضوية بل مجرد سبوبة للحصول على بدل التكنولوجيا ومعاش النقابة.

هذا البدل محروم منه الصحفي الحر، رغم أنه الأكثر حضورا في في الصحف الأجنبية، المشاكل كثيرة والخروج منها يحتاج إلى رمي حجر في المياه الراكدة ، وتحرير المؤسسات الصحفية من حالة الجمود السائدة فيها منذ عقود، وتحرير النقابة من مفاهيم بالية عفا عليها الزمن ، وتنقية جداول النقابة من الدخلاء ، وفتح الأبواب للمهنيين الحقيقيين أيا كانت أدواتهم، وإدارة الازمات بعقلانية وتحويلها لانتصار لمصلحة المهنة، والحفاظ على كرامة الصحفيين والدفاع عن مصالحهم واعلاء المصلحة الوطنية على ما عداها 
لانقاذ النقابة والمهنة من مخاطر جمة ولا سبيل لذلك سوى بعودة النقابة إلى عصرها الذهبي ، التعاون مع الحكومة ضروري لإزالة العقبات التي تواجه صناعة الصحافة ، وتخفيف العبء عن كاهل المؤسسات الصحفية لأن دعم العقول قضية أمن قومي.

ومن بين المشاكل المتفاقمة أزمة المديونية ، يجب أن تسقط الحكومة الديون عن كاهل المؤسسات القومية لأنها ستظل «حجر عثرة» أمام تقدم تلك المؤسسات، لأن هذه المؤسسات عاجزة عن سداد هذه الديون بالقعل ، ولا يتبقى سوى إسقاطها لإعادة اصلاح الهياكل المالية لتلك المؤسسات بما يجعلها قادرة علي القيام بدورها، نتمنىأن تسفر انتخابات نقابة الصحفيين يوم الجمعة 17 مارس المقبل عن محلس نقابة يعي هذه المشاكل ويضع لها الحلول.