دخل الأمير الشاب محمد بن سلمان البيت الأبيض مدركا لحقيقة الخيبة الأمريكية من النظام الإيراني، وقدومه كأول سعودي عربي مسلم للقاء الرئيس الجديد كان على طريقة: "نحن البديل الأفضل، نحن المناسبون فقط". كما ساهم اللقاء في أن رمى الأمير لترامب حجر الزاوية في "صورة" العلاقات السعودية الأمريكية التي يحددها الإعلام الغربي، حينما قال: "نتمنى ذلك" ردا على وصف الرئيس ترامب للصحفيين الأمريكيين بأنهم " أناس طيبون".

ترامب ذو الوجه الحديدي في علم الفراسة -وهو الوجه المناسب لأداء الوظائف السياسية كما كان وجه السياسي البريطاني تشرشل- يفضل إهابة ضيوفه على طريقة جذب الكتف بقوة خلال المصافحة. إلا أنه بدا هادئا وفضوليا هذه المرة بجانب ولي ولي العهد السعودي؛ ما يعكس طغيان الكاريزما الملكية السعودية التي تعززها (القوة والثراء) كما عنونت بهما صحيفة نيويورك تايمز في تقريرها عن صورة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وهو محفوف بمظلات المطر في إندونيسيا، فبراير الماضي.

هذا التحول الانطباعي عن العلاقات السعودية الأمريكية يرصده المتابعون منذ فترة قريبة، وهو الشيء الهام الذي لاحظته منذ 2016 في الوقت الذي بدأت التعرف فيه على عدد من النخب الأمريكية ولمن لبعضهم باعٌ قديرٌ في السياسة الأمريكية من الكونغرس للحكومة الأمريكية ووصولا إلى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية. كان هذا التحول وافرا في ثنايا حواراتهم وحديثهم عن علاقات الولايات المتحدة مع البلدان الحليفة الأخرى وأهمها السعودية. ويقودني هذا التعرف للقول إن معظم هؤلاء هم منفتحون على التعاون مع المملكة بشكل أو بآخر. بل وجدتُ لديهم إيمانا عميقا بضرورة إصلاح العلاقات التي تأثرت كثيرا في أواخر عهد الرئيس أوباما. لقد وجدتهم ينتظرون الدافع للقفز بعلاقاتنا الثنائية إلى الأفضل. هذا الإيمان يكمن تفسيره الوحيد من الجانبين ليس في أهمية العلاقات بين البلدين فهذا كلامُ إعلامٍ لا يسمن ولا يغني من جوع. ولكن هذا الإيمان يأتي نظرا لتقاطع المصالح الضخمة التي تنعكس على أداء الأجهزة الأمنية والسياسية والاقتصادية بين البلدين؛ إذا إن وجود توافق سعودي أمريكي من شأنه تفكيك التعقيد في كثير من المشاكل التي يمكن أن تقود كلا الجانبين إلى المتاعب والآثار السلبية.

لقد أفسح الرئيس باراك أوباما المجال لإيران لتقديم أوراقها التي كانت تكتبها منذ 1979, ولكن لم يظهر خلال فترة الرئيس أوباما أن إيران لديها شيئا تنافس عليه في المنطقة سوى توسع دائرة النفوذ الروسي في الوطن العربي، بل إن صورة إيران أضحت أمام الجميع بمثابة حزب الله ضخم يحاول أن يسيطر على الأجهزة السياسية والأمنية في الدول العربية كما يفعل حزب الله الأصغر حاليا داخل الأجهزة اللبنانية. 

إذن: مُنحت إيران فرصتها لتقديم نموذجها الخاص بها، ولكنها لم تنجح في إثبات وجودها منافسا شرعيا يتقاسم الهيمنة على الوطن العربي إلى جانب القوى الأخرى كالسعودية. فإيران لم تستطع حتى اليوم مجرد توسيع شرعية الأسد المفقودة خارج دمشق، ولم تستطع إيران تقديم العراق كدولة شيعية حديثة وهادئة، كما ولم يستطع أتباع إيران دحر الجيش اليمني الذي بات يشارف أسوار صنعاء. 

ورغم ما حدث في عهد الرئيس أوباما من فتح المجال أمام طهران لتقديم أوراقها، إلا أن من بركات ذلك كما أعتقد هو أن الشعب الإيراني شاهد بنفسه أداء الحكومة الإيرانية المدللة مؤخرا، بعد أن كانت تتمنع عن إعطاء الشعب الإيراني حقوقه المشروعة لعشرات السنين بحجة الحصار السياسي والاقتصادي المفروضين من الغرب. ولكن ما حدث أن الشعب الإيراني والحكومات الغربية المنفتحة على إيران أدركوا حتما ألا أمل ولا رجاء من هذا النظام برمته الذي ينخره الفساد منذ ثورة 1979. واليوم تقف الولايات المتحدة -بلا حل آخر- شريكا مع السعودية في معالجة ما يحصل، ما يدفعني للاعتقاد بأن الرئيس ترامب يدرك الخيبة نفسها من النموذج الذي قدمته إيران في فرصتها التي مُنحت لها لتوسع هيمنتها في الوطن العربي كقوة إقليمية.

كاتب وأكاديمي سعودي- الولايات المتحدة