مرة اخرى اثار الاعلام الالماني مسألة استخدام الاسلحة والذخائر التي تم تزويد قوات البيشمركة بها للحرب ضد "داعش" وذلك حرصا على عدم وقوعها في الايادي الخطأ او الاستفادة منها لغير هدفها الحقيقي وهو مواجهة عنف وارهاب "داعش" وبالتالي تبقى حكومة اقليم كوردستان مطالبة بتوضيح موقفها واثبات خلاف ذلك بالبراهين المقنعة لضمان دوام المساعدات الدولية لفترة اطول.
وتأتي اعادة طرح الموضوع من قبل صحف المانية على خلفية الاشتباكات التي وقعت بين قوات "روز" التابعة لقوات زيرفاني ضمن تشكيلات وزارة البيشمركة ووحدات مقاومة شنكال "YBS" التابعة لحزب العمال الكوردستاني "PKK" خلال الاسابيع القليلة الماضية عند منطقة "خانه سور" في ناحية سنوني التابعة لمحافظة نينوى والتي خلفت قتلى وجرحى من الجانبين كما تسببت في نزوح عوائل من سكان المنطقة. وقد ابدت صحيفتا "ديرشبيكل" و"فيلت" تخوفهما من استخدام الاسلحة الالمانية في اقتتال كوردي كوردي، على الرغم من نفي مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة اقليم كوردستان تسلمهم اي طلب الماني لاستيضاح الامر.
وهذه ليست المرة الاولى التي يثار فيها موضوع كيفية استخدام الاسلحة الالمانية في كوردستان حيث كانت قناتا "NDR" و"WDR" قد كشفتا بالاستناد الى عمليات بحث واستقصاء وجود اسلحة المانية تنحدر من الشحنات التي سلمتها الحكومة الألمانية لحكومة اقليم كوردستان تباع علنا في اسواق المدن الكوردية. وان كان مسؤول رفيع في وزارة البيشمركة قد انكر ذلك في تصريح لوكالة الانباء الالمانية الا انه لم يخف ان اعدادا قليلة ممن فروا من القتال اقدموا على بيع اسلحتهم واستفادوا من اثمانها بهدف الوصول الى اوروبا معربا عن اعتقاده بأن المسألة أُعطيت لها أكبر من حجمها.
ومع تعرض الحكومة الالمانية لانتقادات شديدة بسبب تزويد بعض الشركات الالمانية الحكومة العراقية باسلحة كيمياوية ابان حكم النظام السابق الحكومة والتي ساهمت لاحقا في قصف مدينة حلبجة بالاسلحة الكيمياوية في آذار (مارس) عام 1988، الا ان برلين كانت من اوائل الحكومات التي دعمت قوات البيشمركة بأرسال اسلحة وذخائر ومستشارين عسكريين لمواجهة تنظيم "داعش" عام 2014 وقد أوصلت الشحنة الاولى من تلك الاسلحة في السادس والعشرين من ايلول (سبتمبر) من العام نفسه الى كوردستان، فيما اكد احد نواب حزب الخضر الالماني المعارض ان بلاده ارسلت حتى الان 2400 طنا من الاسلحة والذخائر، كما اكد قادة البيشمركة في مناسبات عدة على دور تلك الاسلحة البارز وفعاليتها في دحر وهزيمة مسلحي "داعش" ولاسيما سلاح ميلان الذي اثبت فاعليته في تفجير المركبات المفخخة والمدرعة من مسافات بعيدة.
ولم تكن مسيرة التصديق والموافقة على تسليح البيشمركة مفروشة بالورود بالنسبة لحكومة المستشارة انكيلا ميركل، وانما كانت شاقة وصعبة، فخطوة من ذلك القبيل كانت تعتبر تجاوزا لأهم مبادئ الحكومة الالمانية الثابتة في عمليات تصدير الأسلحة الى الخارج؛ أي عدم إرسالها لمناطق الأزمات والصراعات. الا ان ميركل وبعد جدل واخذ ورد اتخذت مع اركان حكومتها القرار المهم في العشرين من آب (اغسطس) عام 2014، وان لم تسلم من انتقادات احزاب المعارضة التي كانت تبدي قلقها ومخاوفها ولاتزال من وقوع تلك الاسلحة في الايادي الخطأ او استخدامها في انتهاك حقوق الانسان او بخلاف هدف مواجهة الارهابيين او في صراعات اخرى.
عليه فان الحكومة الالمانية معنية ومهتمة اكثر من اي طرف آخر بالتأكد من كيفية استخدام اسلحتها لتتفادى التعرض للاحراج امام الاحزاب المعارضة وتتراجع شعبيتها بسبب اقرارها ارسال الاسلحة الى هذه المنطقة ما يعتبر حقا طبيعيا ومشروعا لها وبالتالي فان مسؤوليها اكدوا اكثر من مرة حرصهم على عدم استخدام تلك الاسلحة في صراعات اخرى معتبرين ذلك شرطا لايمكن الاستغتاء عنه.
واعتبرت المانيا دوما داعمة كبيرة لاقليم كوردستان وقوات البيشمركة وكانت مساعداتها ايام المحن محل شكر وتقدير بالغين، وما يبقى غير التعبير عن الشكر والامتنان يقع على عاتق حكومة الاقليم وذلك فيما يخص تنفيذ التزاماتها بالطرق الصحيحة لتبديد قلق حليفتها.
لابد لمسؤولي الاقليم من اخذ المسألة بجدية بالغة وايلائها اهمية كبيرة وتسخير جميع الامكانات لاثبات عكس ما يدور الحديث عنه في الاعلام معززة بالادلة والبراهين المقنعة لالمانيا والمجتمع الدولي من اجل القضاء على القلق المتزايد الذي يقض مضاجع الالمان حول مصير اسلحتهم والذي يظهر من حين لآخر ويعيد الاعلام اثارته، بشكل نهائي. وستحكم خطوتهم التالية على مدى نجاحهم في هذه المهمة الحساسة.

*صحفي من كوردستان