هذه المقالة المتواضعة قد تكون متابعة لمقالة الأسبوع الماضي بعنوان "هكذا شرع وعاظ السلاطين الطاعة العمياء للحكام". المناسبة، ان أحد الأصدقاء القارئ والمتابع لمقالاتي الأسبوعية أرسل المقالة المشار اليها الى احد معارفه من شيوخ الدين لمعرفة رأيه في محتوى المقالة. وكان رده، مع كل الاحترام والتقدير له، هو الآتي:
"المقال يذكر رأي كاتبه، وفيه تجن كبير مع الأسف وعدم فهم ما هو الإنكار او لماذا الطاعة، كما ان فيه تجن على أحاديث الرسول (ص) من رجل غير متخصص وليس له باع في فهم ومعرفة الأحاديث ولا الأسانيد. فما ورد في صحيح "مسلم" تلقته الأمة بالقبول، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى – أي القرآن – مما ورد عن النبي (ص) وكذلك صحيح البخاري. ولا يأتي شخص ليس له باع ولا علم بمضمون أحاديث النبي (ص) ويقول تجنيا هذا كذب وهذا غير صحيح، فمن يكون هذا؟ المراد، ما ذكره الكاتب في مقالته لا يعدو ان يكون رأيا له، وان لم يكن صوابا. فالخروج على الإمام – أي الحاكم – وعدم طاعته كبيرة من الكبائر، وضرره يقع على الأمة، من الضعف والهوان والتفرق والتشتت وقس على ذلك". انتهى النقل.
اخذني الفضول العلمي والمعرفي للبحث في كيفية تأليف الشيخين الجليلين لصحيحهما، فوجدت الآتي:
"البخاري"، المولود في بخارى ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة 194 هجرية، والمتوفى ليلة عيد الفطر غرة شوال سنة 256 هجرية عن عمر ناهز 62 سنة. استغرق "البخاري" في تأليف صحيحه مدة تقدر بـ 22 سنة، وضم صحيحه 7563 حديثا، منها 3563 حديثا مكررا، أي ان الأحاديث غير المكررة 4000 حديث.
"مسلم"، ولد بمدينة نيسابور سنة 206 هجرية، وتوفى سنة 261 هجرية عن عمر ناهز 55 سنة. استغرق "مسلم" في تأليف صحيحه حوالي 15 سنة، وضم صحيحه حوالي 4000 حديث غير مكررة.
اغلب الأحاديث الواردة في الصحيحين مروية عن "أبو هريرة" الذي يقال انه صحب الرسول (ص) ثلاث سنوات، وكان ملازما له ملازمة تامة، يصاحبه أينما حل وارتحل، ويقضي معه معظم يومه. وتنقل كتب اغلبية الجمهور من المسلمين ان "أبو هريرة" سمع من الرسول (ص) نحو "5374" حديثا بحسب عددها في "مسند بقي بن مخلد" أضخم موسوعة حديثية مؤلفة، نقلا عن الدكتور "أكرم العمري" في كتابه "بقي بن مخلد ومقدمة مسنده – ص / 19". 
أول التساؤلات في هذا الشأن، هو ان النسيان من طبائع البشر كما خلقهم الله، والأنبياء (سلام الله عليهم) حصنهم الله من النسيان في أمور التبليغ فقط حتى يبلغوه على أتم وجه. وقد تكفل الله – عز وجل – بحفظ ما اوحاه إليهم حتى يبلغوه: قال الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم "سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله". قال اهل التفسير: مما نسخ ورفع العمل به، ويجوز عليهم النسيان في الأمور العادية، وقد ينسى بعضهم شيئا مما قد بلغه للناس لأنهم بشر، وتجري عليهم الأعراض البشرية التي تجري على غيرهم من الناس، كما ثبت عنه (سلام الله عليه) انه قال: "إنما انا بشر مثلكم أنسى كما تنسون". 
السؤال: كيف استطاع "أبو هريرة" حفظ "5374" حديثا خلال ثلاث سنوات ولم ينس شيئا منها؟ القول بأن الرسول (ص) بشره بعدم النسيان، لا يستقيم مع طبائع البشر التي جبلوا عليها، باستثناء الأنبياء (سلام الله عليهم) في أمور التبليغ فقط.
التساؤل الثاني هو، انه معلوم لدى كل المسلمين ان الكثير من الأحاديث قد وضعت بعد الفتنة التي قتل فيها "عثمان" (رضي الله عنه)، حيث طغت على الساحة الإسلامية الخلافات السياسية، وخصوصا عندما آلت السلطة الى "معاوية" مؤسس الدولة الأموية، حيث انتشر الكذب في وضع الأحاديث المنسوبة زورا للرسول (ص) بهدف إضفاء الشرعية على الحكم الأموي، ومن بعده حكم بني العباس. ومنذ ذلك التاريخ زادت وتيرة وضع الأحاديث لأغراض مختلفة منها على سبيل المثال: تأجيج الخلافات السياسية والمذهبية، التكسب وطلب المال، العصبية للقبيلة والأمة واللغة، التقرب للحكام والسلاطين، والمصالح الشخصية. 
السؤال الذي يتبادر الى ذهني واذهان الآخرين هو: كم من الأحاديث الموضوعة كانت من ضمن الأحاديث الواردة في الصحيحين الذين تم تأليفهما بعد مرور حوالي قرنين من الزمان على وفاة "أبو هريرة" في سنة 57 للهجرة؟ 
أخيرا، اود ان أحيل فضيلة الشيخ الذي يعتقد ويؤمن بأن الخروج على الإمام (الحاكم) وعدم طاعته كبيرة من الكبائر، وضرره يقع على الأمة، الى الآية الكريمة: " ولاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ". وتفسيرها: لا تَسكُنوا إلى أهلِ الظُّلمِ ولا تَرضَوا بظُلمِهم، ولا تَميلوا إلى الجَبّارينَ الطُّغاةِ الذينَ يَظلِمونَ عبادَ الله، ولا تَستَعينُوا بهم، ولا تَستَنِدوا إليهم، فتَكونوا كأنَّكمْ قدْ رَضِيتُمْ بأعْمالِهم، ويكونُ ركونُكمْ إليهمْ إقرارًا لهمْ على ما يُزاوِلونَهُ منْ ظُلمٍ ومُنكَر.
آخر الكلام: على المسلمين إعمال العقل في أمور دينهم ودنياهم بدل الإذعان الأعمى للنقل.