يذهب البعض الى ان مؤتمرات التقريب بين المذاهب الاسلامية هي مؤتمرات رتيبة تعبر عن الترف الفكري والثقافي وأنها لم تحقق اي نسبة ولو ضئيلة من النجاح لاسيما وان المواضيع التي تطرح فيها هي مواضيع متكررة ولكن بألفاظ مختلفة وقد وجدت بان شطرا من هذا الكلام صحيح وذلك من خلال تجربتي التي تمتد لسنوات طويلة في مجال التقريب كوني عضوا مؤسسا لمنتدى الوحدة الاسلامية في بريطانيا وعضوا مؤسسا في مركز ايسيكس الاسلامي فضلا عن المشاركة في الكثير من الفعاليات الهادفة الى التقريب بين المذاهب، وقد رأيت ان الخص عوامل الاخفاق في مؤتمرات التقريب بما يلي:
١- اغفال عنصر الشباب والأطفال والنساء في هذه المؤتمرات لا سيما وان الأمهات الطائفيات يغذين الأطفال بالأفكار الطائفية لأنهن لم يتلقين التوجيه الصحيح،ويلاحظ ان اكثر الحضور في هذه المؤتمرات أناس من كبار السن، وغياب العنصر الشبابي الذي يستطيع مواصلة المسيرة لفترة أطول.
٢- الغياب الكامل لدور الحكومات الاسلامية في هذه المؤتمرات، علما بان الدور الحكومي اكثر فاعلية وتأثيرا،خاصة الحكومات المعنية اكثر بقضية التقريب مثل السعودية وإيران ومصر وتركيا والعراق، والحكومات بسلطانها وامكاناتها التشريعية والمادية تفوق بتأثيرها إمكانات منظمات المجتمع المدني وتفوق الجهود المبذولة للأفراد في هذا المجال.
٣-الافتقار الى الصراحة المطلوبة في نقد الذات وطرح الأفكار ونقد كتب الروايات والحديث والتفاسير عند الطرفين وعدم تبني سياسة واضحة وصارمة في منع اعادة طبع الكتب التاريخية الخاضعة للجرح والتعديل واهمال الروايات التي تؤدي الى تكريس الطائفية وان كانت صحيحة في نظر البعض.
٤-التكرار الممل في المواضيع المطروحة وان كانت تصاغ كل مرة بلغة جديدة وألفاظ اخرى وان المتلقي العادي ليس على استعداد لسماع الأفكار المكررة والمستهلكة التي لم تحقق شيئا على ارض الواقع.
٥-وجود اجندات سياسية واضحة للقائمين على هذه المؤتمرات والمشاركين فيها مما يفقدها القداسة المطلوبة، لا سيما وان التقريب هو هدف سماوي سام يدعو اليه القران من خلال الآية القرآنية الكريمة: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
٦-عدم وجود متابعة حقيقية للتوصيات الصادرة من المؤتمرات وتطبيقها كلها او بعضها مما يؤدي الى تحويل المؤتمرات الى منبر خطابي وكلام منمق وصرف أموال وإطعام وسفر وفنادق فقط لا غير.
٧-كثرة المحاور المطروحة للمناقشة وقصر الوقت الممنوح للأبحاث، وعادة يُطلب من اصحاب البحوث الاختصار دون السماح بمناقشة الكلام المُقال فيتحول البحث الى مجرد كلام في هواء،كما ان يوما او يومين ليس كافيا لحل مشاكل عالقة منذ الف سنة ويزيد.
٨-الافتقار الى الصدق والاخلاص لدى بعض المشاركين،اذ انني اعرف اناسا اعترفوا على أنفسهم بالطائفية فضلا عن معرفة المجتمع لهم بهذه الصفة يتحدثون امام الملأ ضد الطائفية،ومثل هذه الازدواجية تفقد المصداقية وتعطل سير عجلة التقريب الى الامام اذ ان الصدق والاخلاص من اهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها المشارك في مؤتمرات التقريب.
٩- تكرار الوجوه في جميع المؤتمرات وهي وجوه يربطها الاتفاق في وجهات النظر وان اختلفت مذاهبهم وبعضهم من ذوي الذمم المشتراة مسبقا،وغياب العنصر الأهم وهم المخالفين المختلفين لان التقريب لا يكون بين المتقاربين اصلا وإنما بين المختلفين والمتباعدين،كأن يحضر سلفيون الى جانب الشيعة مثلا لتدارس الخلاف المزمن ومحاولة الوصول الى حلول ناجعة تفيد الأمة.
١٠- ان مؤتمرات التقريب توحي للمراقب بان الخلاف محصور بين السنة والشيعة فقط اذ لا نرى فيها حضورا للزيدية والبهرة والإسماعيلية وغيرهم مع ان الصراع ليس كله بين طائفتي السنة والشيعة، وإنما هو بين أطراف سياسية ودوّل وقوى خفية بعض اطرافها ليسوا من المسلمين اصلا، وإغفال دور القوى الخفية غير الإسلامية التي تغذي الخلافات ليل نهار على مختلف الاصعدة.
١١-عدم الاستفادة المباشرة من خبرات الدول المستقرة والتي يتعايش فيها المسلمون سنةً وشيعة على اكمل وجه وأفضل صورة مثل سلطنة عمان والإمارات، وقد أراد البعض مرارا ان يزرع فتنة طائفية في الكويت الا ان القيادة الحكيمة للدولة استطاعت وبحزم تطويق الأزمة والقضاء عليها ليعيش المواطنون في سلام ورغد عيش.
١٢- انفراد الشيعة لوحدهم بالدعوة الى مؤتمرات التقريب وغياب المبادرة لدى الاخوة السنة وكأن الامر لا يعنيهم بالدرجة الاولى بوجود التخوف مما يسمى بالمد الشيعي، وانا شخصيا أميل الى منع التبشير بالمذاهب الاسلامية في البلدان الاسلامية دون المساس بالحرية الفردية في التعبد باي مذهب وضرورة إصدار فتوى شيعية بجواز التعبد بالمذهب السني على غرار فتوى الشيخ محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الشيعي.
١٣- منع المزيد من التأليف في الإسلاميات والسعي لاختصار الكتب الاسلامية وتوحيد معانيها ليتمكن المسلم من قراءتها ومتابعتها والاستفادة منها، فالانسان يحتار الان امام هذا البحر الهائل من الكتب والتأليفات بل ويعجز من الإحاطة بها إجمالا فضلا عن قراءتها والتمعن فيها.
١٤- التقليدية المفرطة في الاليات المستخدمة في هذه المؤتمرات وبعضها خاطئة يراد منها مجرد الترف الفكري الذي اصبح من سمات مؤتمرات التقريب، ومشكلة البيان الختامي الذي يصاغ قبل المؤتمر بأيام فلا نجد فيها اي جديد، وإغفال دور لجنة المتابعة لمتابعة التوصيات والمقررات.
وقد تكون هناك عقبات وعراقيل وعوامل اخرى للإخفاق ولكني اكتفي بهذا القدر خشية الملل واؤكد على أهمية هذه المؤتمرات لان أهدافها نبيلة وسامية ولا ألومها ان هي لم تنجح في تحقيق ما تصبوا اليه،ولا أنكر بأنها صوت مقدس ومبارك تحتاج الى عمل دؤوب لا سيما وان الخلاف والاختلاف سنة حتمية، وان كان لا يرقى الى ان يكون رحمة كما يسمي البعض اختلاف الأمة بانه رحمة اذ ان الاختلاف نقمة والاتفاق نعمة لاسيما الاختلاف الذي ينتهي الى سفك الدماء والتناحر والتنابز وقد حرم بعض العلماء المخلصين التنابز الطبقي ووصفوه بانه من فعل أعداء الإسلام ومرتزقة العدو.