تشكل آيات القران الكريم المصدر الرئيسي للنصوص التي تعتمد عليها المذاهب الاسلامية في تحديد مواقفها من من أمور الدنيا والاخرة والاحكام والعبادات التي حددت كأركان أساسية للدين، وجرت دراسات وبحوث فقهية وشرعية لا تحصى ولا تعد على تلك الايات منذ ظهور دعوة النبي محمد (ص) في مكة والمدينة قبل أكثر من الف واربعمائة سنة تقريبا، والايات تظهر من خلال نصوصها انها تنقسم الى محاور وفصول ومواضيع مختلفة بعضها عن بعضومتداخلة مع بعضها البعض من خلال السور القرانية، والمحاور يمكن اعتبارها كتب مختلفة عن بعضها ومختصة بمحور معين مثل العبادات التي تشمل الصلاة والزكاة والحج وغيرها من الامور المتعلقة بهذا الشأن، ولا يخفى ان الايات قد صنفت حسب الاجزاء لتحدديد مواقع الانصاف والارباع وهذا التصنيف لا يعتمد على المعارف ولا على حسابات معينة منطقية وانما هو شكلي ولا يحسب ضمن التصنيفات البحثية لانه يعتمد على التسلسل الدارج للايات والسور كما هو في القران.

ولكن التصنيف الاخر وهو القائم حسب المواضيع يتسم بالمقصد البحثي والمنطق الموضوعي حسب محتويات ومتن الايات ومعانيها ومقاصدها، وهو بحاجة الى دراية وخبرة ومعرفة واطلاع والمام بالمعارف ومعاني النصوص، ويسجل ان المستشرق الفرنسي جول بلوم هو أول من قام بفهرسة مواضيع الايات بعنوان "تفاصيل آيات القران الحكيم" حيث وضع ثمان عشرة بابا للتصنيف والفهرسة والابواب قسمها الى ثلاثمائة وخمسون فرعا حسب معاني الايات، وثم تلاه فهارس متعددة للقران حسب المواضيع من قبل باحثين مسلمين.

واعتمادا على التصنيفات والفهارس التي اعدت لتقسيم مواضيع القران، فان التقسيمات الحاصلة قد تكون متقاربة او متباعدة عن بعضها حسب عدد الاياتوطريقة التصنيف، ولكن على العموم يمكن تحديد نسب ابواب التقسيم للايات الايات حسب ابواب المواضيع بالنسبة المئوية حسب آيات القران الكريم فان والنسب هي كالآتي:

الغيب والبرزخ 1701 آية بنسبة 24%، قصص الانبياء 1581 آية بنسبة 22%، الامم والكفار 684 آية بنسبة 10%، احكام الاسلام 487 آية بنسبة 7%، جهادومعارك وحروب 397 آية بنسبة 6%، الكون والمخلوقات 388 آية بنسبة 6%، عبادات 336 آية بنسبة 5%، الايمان والمؤمنون 331 آية بنسبة 5%، الله 322آية بنسبة 5%، غير مصنف 326 آية بنسبة 5%، القران 330 آية بنسبة 5%، مفاسد وموبقات 98 آية بنسبة 1%، الانسان 71 آية بنسبة 1%. اياتها، 

وحسب النسب المذكورة فان 60% من آيات القرآن هي عن الغيب والبرزخ والقصص والأمم والكفار والجهاد والقتال، ونسبة 12% عن الاحكام والعبادات، ونسبة 15% عن الله والقران والايمان، ونسبة 11% عن الكون والمخلوقات ومواضيع مختلفة، ونسبة 1% عن المفاسد، ونسبة 1% عن الانسان، وهذه النسب تعني ان الانسان بمفهومه المعنوي والمادي والروحي والايماني والغيبي وما يخص حقوقه وحضوره يتمتع بأقل نسبة من الآيات، وهذا يفسر قلة المعارف والمفاهيم والطروحات الاسلامية عن الجوانب الفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية والحياتية عن الانسان وقد رافق هذا القصور منذ بدء الدعوة للدين الجديد في البادية العربية.

ولو قسمنا آيات القران الى قسمين رئيسيين الاول باسم الرحمة للدلالة على المفاهيم الخيرة الواردة في اياتها، والثاني باسم الشدة للدلالة على مفاهيم الشدة الواردة في اياتها، لوجدنا انه يمكن اقتباس كتاب من آيات الرحمة لوضع نصوص واضحة دالة على معاني انسانية نبيلة ترتاح لها الاذان الصاغية للمسلمين في كافة ارجاء العالم.

وحسب تصنيفات عديدة فان مواضيع القران الكريم تنقسم الى محاور عديدة وهي احكام الاسلام وقصص النبياء والملل والغيب والبرزخ والعبادات والامم السابقة والكفار والايمان والمؤمنون والجهاد والقتال والنفير ومعارك وحروب والله والقران والكون والمخلوقات والانسان والمفاسد، وهذه المواضيع لا تقدم شيئا ولا نموذجا بالفكر والتطبيق للحياة المعاصرة التي تلجها عشرات ومئات التغييرات يوميا وعلى جميع الأصعدة والمجالات.

ولا ينكر إنّ نصوص الإسلام يحمل بين طيّاته عدّة قواعد مهمة في التمسك باللاعنف ونشره والسير عليه، ومن أشهر هذه القواعد المهمّة التي كان لها دورفي مرحلة ما بعد فتح مكة التعامل اللين وعدم استخدام العنف مع أهلها، والقران يغص بآيات بهذا الشأن وتدعو إلى العفو والصفح واحترام الاديان ورعايته ونبذ العنف وكراهية الدين.

فمن آيات العفو: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[سورةالبقرة: 237]، (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاًقَدِيراً)[سورة النساء: 149]، (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)[سورة النور: 22]، (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَْمْرِ)[ سورة آلعمران: 159]، (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ)[سورة المائدة:13]، (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ)[سورة البقرة: 109]، (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْأَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)[سورة البقرة:178]، (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْالْعَفْوَ)[سورة البقرة:219]، (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)[سورة الأعراف:199].

ومن آيات السلم والسلام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)[ سورةالبقرة: 208]، (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)[ سورة الأنفال: 61]، (فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْسَبِيلا)[ سورة النساء: 90]، (وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً)[ سورةالفرقان: 63]، (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِيبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[ سورة فصّلت: 34].

وفي مجال احترام الأديان الآيات التالية: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِالْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَأَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌلِلصَّابِرِينَ)[ سورة النحل: 125-126]، (لَكُمْ دِينُكُمْ وَليَ دِينِ)[ سورة الكافرون: 6]، (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم)[ سورةالأنعام: 108]، (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فيسبوا الله عدواً بغير علم)[سورة الأنعام:108]، (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) [سورة 4:109]، (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَمَا أَعْبُدُ) [سورة 5:109]، (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة 6:109].

وفي مجال الصفح الآيات التالية: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌرَحِيمٌ)[ سورة التغابن: 14]، (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)[سورة النور: 22]، (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ)[ سورة المائدة: 13]، (وَإِنَّ السَّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[ سورة الحجر: 85]، (فَاصْفَحْعَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[ سورة الزخرف: 89]، (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىيَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ)[ سورة البقرة: 109].

وبما ان هذه الايات يمكن اعتبارها قاعدة أساسية للتوجه السلمي واللاعنفي للاسلام، فان الضرورة التاريخية والحاجة الانسانية تلزمان على المراجع الدينية المعنية الاتفاق على اخراج النصوص بشكل اخر معاصر لايصال رسالة السلام والايمان وابعاد الاسلام عن تهم الارهاب والعنف والقتل والجهاد اللاعقلاني واللامنطقي، واهم الركائز الذي تعتمد عليه متطلبات وأسباب التجديد فكريا وتطبيقيا لاحداث التغيير والمعاصرة المطلوبة هو فصل الدين عن الدولة،وضرورات تجديد الدين وفصله هي ما يلي:

أولا: صعوبة فهم الايات بنسقها التراثي وتفسيراتها القديمة خاصة بالنسبة للشباب والأجيال المعاصرة التي اخذت تتعامل مع الحياة على اساس العلوم والمعارف الحدديثة.

ثانيا: عدم ملائمة معاني النصوص الواردة في مجالات الجهاد والقتال والنفير والتعامل مع أهل الكتب والأديان غير السماوية مع معطيات العصر وعدم تفاعلها مع المفاهيم والمباديء والقيم الانسانية.

ثالثا: تزايد التطرف والعنف والارهاب بسبب المجموعات والحركات والمنظمات الدينية الاسلامية التي تستند في منهج عملها على نصوص الجهاد وآيات السيف والجزية في القران الكريم.

رابعا: تقديم نموذج لنصوص اسلامية ميسرة من القران ومصادر اخرى تساعد على الفهم والاستيعاب من قبل جميع الاعمار والمستويات دون صعوبات وبلا تعقيدات وتشجع على السلام والتسامح والتعايش المشترم بين جميع الاديان والشعوب.

خامسا: التاكيد على لم شمل المراجع للبحث في تقارب المذاهب ووتقديم تفسير جماعي تخص جميع المذاب والطوائف الاسلامية للقران الحكيم.

سادسا: الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والمعلوماتية المعاصرة لتفسير الامور الدينية المتعلقة بالانسان وحصر العلاقة الايمانية والروحية بين الفرد وربه على مستوى الافراد والمجتمعات وفصل الدين عن الدولة كمبدأ مثبت في الدستور والقوانين.

سابعا: اقامة المهرجات والمناسبات الدينية المشتركة بين اتباع جميع المذاهب والاديان لكسر حاجز الخوف والقلق والتوتر بينهم وزرع الاحساس والانتماء للتعايش المشترك بين الجميع.

ثامنا: تسخير الاعلام والفنون لبث ثقافة المواطنة والتعايش المشترك والتسامح والمساواة بين الجميع وتقديم نماذج وافكار درامية تخدم اهدافا وغايات انسانية تخص جميع المكونات في المجتمع.

تاسعا: التزام دولة العالم الاسلامي بالدستور والحياة المدنية واحترام قواعد المواطنة ورعاية جميع الحقوق الانسانية الواردة في اعلانات وبيانات ولوائح ومواثيق الأمم المتحدة.

عاشرا: ارساء قواعد النظام الديمقراطي وتثبيت نقل السلطة بالوسائل السلمية المدنية واحترام قرار الشعب عند فرز نتائج الانتخابات النيابية والرئاسية والحكومات المحلية في كل دولة من العالم الاسلامي.

هذا باختصار اهم الضرورات اللازمة لاعادة النظر بالنصوص الاسلامية بطريقة معاصرة وحديثة لملاءمة متطلبات الواقع في عالمنا اليوم الذي يجري بسرعة شديدة مخلفة ورائه دولا وشعوبا ومجتمعات كثيرة بعشرات ومئات السنين، وفي حالة البقاء على ما عليه الواقع المتخلف والذي يعاني من أزمات دينية واجتماعية وسياسية واقتصادية فان الدمار والخراب الحاصل منذ سنوات في منطقة مثل الشرق الاوسط سيظل مستمرا بفعل عوامل دينية متطرفة واسباب داخلية وخارجية، وبسبب الابتعاد عن الوسطية وسياسة الاعتدال والتسامح والتعايش المشترك، وهذا ما فرض عنفا بحد السيف قاطعا كل اوصال الرحمة والانسانية، وخير ما نختم به المقال "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُبِكُمُ الْعُسْرَ".

 

3