(الاكراد شعدهم حتى ينفصلون، هو بس عدهم لبن اربيل و بالصيف يحمض وكباب سليمانية الشهير )، هذا كلام النائبة السابقة (الدكتورة) عتاب جاسم نصيف جاسم الدوري، ( تصوّروا، بهذه الكلمات وبهذا الاسلوب الراقي جدا عبرت الدوري النائبة السابقة في مجلس النواب العراقي ) عن حزب الوفاق الوطني الذي يرئسه (ابو حمزة اياد علاوي والذي يعتبر نفسه من أحد الأصدقاء القدامى للشعب الكردي)، عبرت الدوري بهذه الكلمات في احدى الفضائيات العراقية عن استيائها الشديد من مشروع الاستفتاء على انفصال الإقليم عن العراق.
نعم، بهذه التصريحات العنصرية والطائفية المقيتة تريد (الدكتورة) ان تبيض وَجْهَها، بعد ان طُردت من قبل المتظاهرين، من ساحة التحرير ببغداد، بعد محاولتها الاشتراك في مظاهراتهم المنددة بزيادة الراتب الاسمي لاعضاء مجلس النواب العراقي، حيث قالوا لها اثناء طردها باللهجة العراقية الدارجة والبسيطة: ( ارجعي باباتي من حيث اتيتي، ادري احنا عليمن طالعين ونتظاهر،على البرلمان الصومالي لو عليكم يا فاسدين. عجيب ذولة النواب ).
فعلا عجيب امر هؤلاء النواب، يحاولون إقناع الناس البسطاء بان الكرد ليس لديه شيء سوى ( لبن وكباب )، ويتناسون بان الشعب الكردي له تاريخه وارضه وثقافته ولغته، قدم خلال نضاله المرير تضحيات جسام وانهارا من الدماء الطاهرة من اجل الحرية وكسر سلاسل العبودية والاستقلال، وهو كغيره من الأمم والشعوب الاخرى يملك حق تقرير المصير وحق الاعلان عن دولته المستقلة.
عجيب امر هؤلاء الذين يتناسون بان الشعب الكردي في عام 1992 اختار بمحض إرادته (الفيدرالية والشراكة الحقيقية ) كصيغة دستورية للعلاقة المستقبلية في العراق. 
تتناسى الدوري، ان مستقبل العلاقات بين اكبر شريكين في وطن واحد و هما( الكرد و العرب )، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺷﺮاﻛﺔ ﻗﻮﻣﯿﺎت اﺧﺮى ﻣﺘﻌﺎﻳﺸﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﻮطﻦ، مرهون بتطبيق بنود الدستورالعراقي، تتناسى الدكتورة ما جاء في ديباجة الدستور العراقي: ان الالتزام بهذا الدستور (يحفظ للعراق اتحاده الحر شعبا وارضا وسيادة )، تتناسى الدوري، بان قوة العراق في ازدهاره وتقدمه واخذ الدروس من جبروت ماضيه المؤلم وليس بنشر سموم العنصرية والشوفينية والطائفية المقيتة.

تتناسى الدوري، بأن تأجيج المشاعر الطائفية والعنصرية والشوفينية وزرع العداء للقوميات والطوائف والجماعات العرقية الأخرى من قبل الساسة العراقيين، في عراقنا اليوم ( عراق ما بعد الدكتاتورية )، شكل ولا يزال يشكل عائقا أساسيا امام العراق والعراقيين في إعادة البناء الوطني على أسس ديمقراطية الحقيقية ترفع الحيف والظلم عن مكوناته وتؤمّن تعايشهم على اساس (الرغبة المشتركة والمصلحة المشتركة). 
وهنا استغل هذه الفرصة ككاتب( اربيللي هوليري)، لأذكر الدوري ببعض مميزات لبن وزبادي اربيل ( ماستي مه ري ) و( الشنينة لبن عيران الاربيللية الساحرة ماستاو ),واقول لها: لا يحضى اي مشروب عراقي بشهرة واسعة كما حظى لبن اربيل الراقي والذي ذاع صيته بكل مناطق العراق ودخل التاريخ من اوسع ابوابه، هل تعرفين يا سيدتي، بان اشهر محل لبيع لبن اربيل كان في بغداد ( باب المعظم ) في الخمسينات من القرن الماضي وبالضبط كان المحل مقابل وزارة الدفاع العراقية ومقر حكومة العراقية ايام حكم الزعيم الشهيد (عبد الكريم قاسم)، وكان اشهر صيتا واسما من وزارة الدفاع نفسها، بحيث عندما كان يريد شخص ان يراجع وزارة الدفاع، يقول لصاحب التكسي ( وصلني لوزارة الدفاع مقابل محل لبن اربيل ) وذالك لمساعدة السائق التكسي في الإستدلال على الوزراة، اضافة الى ان لبن اربيل كان من وجبات الرئيسية لاعضاء حكومة الزعيم قاسم وان (الشنينة الاربيللية )الراقية كانت شراب الزعماء والرؤساء والامراء والملوك في بغداد، اسوة بعصير الحاج ( ابو زبالة )* المصنوع من الزّبيب الاصلي الاسود الكردستاني (حسب كلام صاحب المرطبات ). 

اعتقد، والمنصفون يعتقدون ايضأ، كانت الدوري محقة فعلا بشيء واحد فقط وهو: لو كان حكومة الإقليم كفؤه وحريصة على مستقبل شعبها، لكان الإقليم الان يصدر منتجات الالبان وخاصة ( لبن وزبادي اربيل ) الى جميع الدول العالم كباقي دول المعتمدة على اقتصاديات السوق الحديثة (الالبان والزراعة والسياحة والسلع العذائية والثروة الحيوانية )، ولكن وللاسف لايزال الإقليم، مثله مثل العراق ككل، يعتمد في إيراداته على الصادرات النفطية بشكل شبه كامل دون البحث عن مصادر أخرى على سبيل المثال لاالحصر( الزراعة, الصناعة، السياحة ) حيث يعتمد الإقليم اليوم بنسبة أكثر من 90% على الاستيراد؟ 

ان المشكلة الرئيسية لاتكمن في ( لبن وكباب اربيل ولا في حلويات السليمانية المشهورة ( من السما )(1 ) ولا في زبيب دهوك الاسود الاصلي ولا في رمان حلبچه الشهـير ولا في جوز ولوز زاخو ولا في الأحذية الهورامانية التقليدية الكردية المنسوجة يدويا، التي تسمّى بـ( كلاش او الكيوة )، ولا في مركز ناحية (كسنزان) للسجاد اليدوي الذي ينافس من حيث جودته السجاد الإيراني الشهير، بل المشكلة تكمن في التشوهات والعاهات والإعاقات والانحرافات التي ترسخت فينا جراء عقود من ممارسات الفساد والاستبداد والدكتاتورية المقيتة والتي عوقت ولاتزال تعوق حركة العراق ونهوضه وتقدمه وازدهاره وتنميته. 
ولا يوجد شك ان مثل هذه التصريحات الهستيرية غير المسؤولة ستشعل خلافات داخلية جديدة بين بغداد واربيل، والتي بدأت بالفعل تأخذ حيزأ واضحا وكبيرا وخطيرا في الساحة السياسية العراقية.

كثيرا ما ذكرت في مقالاتي, إن التجارب الماضية اثبتت للجميع بان العبرة ليست في تدوين محتوى الدستور، بل إن قيمته الأساسية تتأتى من كيفية تطبيقه على أرض الواقع، فاين نحن اليوم من ضمان الحقوق الفردية و الجماعية،اين نحن من الفصل بين السلطات، اين نحن من الدستور، من يمثل الشعب ومن يمثل عليه؟ 
اختتم مقالتي بابيات من قصيدة الشاعر الكبير الرصافي، ( أنا بالحكومة والسياسة أعرفُ) قد نظمها عندما أصدر الإحتلال البريطاني الدستورالعراقي وأنشؤا برلماناً كارتونيا مزيفأ وأصبحت أمور البلاد بأيديهم بالضبط كما يحدث اليوم في العراق، وفي البرلمان العراقي نتيجة التدخلات الاجنبية في الشأن الداخلي العراقي. 
يقول الرصافي الكبير في مطلعها:
أنا بالحكومة والسياسة أعرف... أأُلام في تفنيدها وأعنَّف
سأقول فيها ما أقول ولم أخف... من أن يقولوا شاعر متطرِّف
هذي حكومتنا وكل شُموخها... كَذِب وكل صنيعها متكلَّف
غُشَّت مظاهرها ومُوِّه وجهها... فجميع ما فيها بهارج زُيَّف
وجهان فيها باطن متستِّر... للأجنبيّ وظاهر متكشِّف
والباطن المستور فيه تحكّم... والظاهر المكشوف فيه تصلُّف
عَلَم ودستور ومجلس أمة... كل عن المعنى الصحيح محرف

ـــــــــــ
*رابط حديث الدوري والتي تحمل لقب دكتورة، ولكن لم اتمكن من معرفة أي معلومة عن شهادتها ) 
( https://www.youtube.com/watch?v=IOegeVXCWGk )
*شربت الحاج زبالة، من اهم معالم بغداد التراثية عامة وشارع الرشيد خاصة، افتتح محل الحاج زبالة في عام 1908.... سمي المحل بهذا الاسم نسبة إلى صاحبه (الحاج عبد الغفور عبد الصاحب زبالة) الذي لقبته والدته بهذا الاسم دفعا للحسد ولأجل حمايته من أعين الآخرين، أن ما يميز عصير (الحاج زبالة )عن غيره من عصير الزبيب، هو الاختيار لنوع الزبيب الأصلي الأسود الذي يجلبه صاحب المتجر من اقليم كردستان وتحديدا من المناطق ( خوشناوه تي و دهوك ورانيا ). 
1 حلويات ورد اسمها في كثير من الكتب السماوية وتعتبر مدينة السليمانية من المدن العراقية المشهورة في صناعة هذه الحلوى, حيث تجمع مادة المن الخام(مادة دبقة) من على الأشجار ويتم بعد ذلك إذابتها في الماء المغلي ويتم تصفيته للحصول على مادة (من السما) التي يتم تصنيعها وحشوها بالجوز واللوز المحلي، تم تلاك بالطحين كي لاتلتصق قطع (من السما) مع بعضها عند تعبئتها في علب خشبية خاصة للحفاظ عليها من الرطوبة والتعفن.