منذ ان تم زرع فايروس جديد في قلب الشرق الاوسط، وبعد ان تمكن هذا اصابة العراق وسوريا بداء "الذبح"، فان عجلة الحصاد ومنجلها اخذ الكثير من الارواح البريئة، ولا يزال، فلم يسلم منها لا الاطفال، ولا الشيوخ، ولا النساء، ولا العذارى، ولا حتى الحجر!

حتى الحجر اصابه هذا المكروه، وهو الذي كان ابدا الدهر صامداً امام تغيرات الزمن القاسية، فراحت رياح هذا الداء تقضم وتكسر وتجرف وتفجر كل الاحجار الناطقة بالتاريخ... انها هجمة على التاريخ بدأتها القاعدة عندما فجرت تمثال بوذا، وخربت داعش الاثار الآشورية، وجرفت نمرود، وخربت مدينة الحضر الاثرية، والآثار السورية في تدمر، وسوف لن تنتهي هذه الظاهرة الجديدة ما دام الفكر المعادي للتاريخ يأخذ نصوصه من المقدس ويؤّوله لنشر عقيدته الصماء بالقوة، بعيدا عن العقل، وقريباً من النص، الذي يأبى مناقشته، ونقده حتى وان طار "الفيل" فيه، اي في النص.

انهم يريدون اسكات التاريخ كي لا يعريهم، ويكشف عورتهم!

انهم يعلمون بان الحجر برغم صمته فانه ينطق بالحقيقة، التي يصم المتوحشون أذانهم عنها، خوفا على ادعاءاتهم، وفتاويهم، وفقههم المزيف، البعيد كل البعد عن العقل والمنطق. فحقيقة الطوفان، والاينوما ايليش المنقوشة على الحجر ازاحت الستار عن ما لا يستسيغه عقل المؤمن من حقائق، وفي ان الاسس الفكرية للأديان الثلاثة، انطلقت من هذه الملاحم الفكرية، ولم تكن يوماً من السماء.

هذا التصادم ما بين العقل الاصم والحجر الناطق، جعل الاصم يشن حربه الضروس على الحجر "المسكين" الذي لا حول له ولا قوة الا صلابته، فسقط شهيدا يتفتت امام معاول العنجهية "المقدسة"، واضحت متاحف الموصل، وتدمر، تغرق "برذاذ" كنوز التاريخ، رذاذ يأبى ان يتوشح بالأحمر، منادياً:

ـ مهما فعلت ايها الارهابي، فان رذاذي هو دمي، وسيظل ابيضاً، يملئ الفضاء داعيا الى الحقيقة، والسلام بين بني البشر!

ربما سائل يسأل: هل القيم والاخلاق الغربية تحمل مثل هذا الحقد على الحجر؟

قد يفكر البعض، بخبث السؤال، لأنه يوحي، بان الثقافة الغربية تحمي الحضارات، على عكس قيمنا الشرقية.

 لكن حقيقة القول هي ان شعوبنا قلبية في فهمها للحضارة وهي تنطلق من العاطفة، والقلب، وليس كما للغربي الذي عندما "سرق" آثارنا، وهي جزء من حضارتنا، ونقلها الى بلده، فانه قد استخدم العقل والمنطق، وحافظ عليها، وانشأ لها متاحفاً، يفتخر بها، وجعل العالم يتعرف على حضارتنا...حضارة صرنا نفتخر بها كنتيجة للفعل الغربي الذي اكتشفها وكشفها، وللفعل الايجابي لتأثيرها على الثقافة التاريخية العالمية. فالغرب والعالم، اخذ يفتخر بالإنجازات الحجرية التاريخية في حضارات وادي الرافدين، كإنجازات انسانية رائعة، لها مدلولاتها الفكرية والعلمية والفنية والثقافية للبشرية جميعاً، فهي تعبر عن مراحل التطور البشري على هذه البسيطة... اما ثقافة تكفير التفكير، فبالإضافة الى شرها مع الانسان نفسه من خلال اتهامه اولاً بالكفر والارتداد ليتم قتله تحت وازع اهانة "المقدس"، فان شرها طال الحجر ايضاً بالرغم ان للإرهاب قلباً من حجر!