إن أحد أهم أسباب فشل مجتمعاتنا إنسانياً، هو أنها مجتمعات عبيد وعيدان ثقاب، مطلوب من المرء وسط نيران محرقتها، ووفق قيودها وعاداتها وتقاليدها وشرائعها، أن يولد ويعيش ويفكر ويموت كعبد، سواء للزعيم أو للحزب أو للدين أو للعشيرة أو للأهل، وأن يحترق لأجلهم جميعاً. ففي تفكير هذه المجتمعات المريض، الحرية جريمة، والحب خطيئة، في حين لو تركت له حريته كإنسان لإختار ربما أن يحبهم جميعاً بإنسانيته دون هذه القيود والاعراف والعادات والشرائع والتقاليد البالية الفارغة. 
القائد يريده عبداً لعُقدِه وعود ثقاب يحترق لأجله، لأنه في عُرف مجتمعاتنا من يملك البلاد، ويمنح صك الوطنية أو تهمة العمالة، وكأن الوطن ضيعة له ولمن خلفه!
الحزب يريده عبداً لأفكاره وعود ثقاب يحترق لأجله، لأنه في عُرف مجتمعاتنا من يخطط له ويعلمه كيف يفكر، وكأنه لولاه ولولا أفكاره لضاع وبات بهيمة لا تعقِل، ولبات ريشة في مهب الريح!
سماسرة الدين يريدونه عبداً لخزعبلاتهم، وعود ثقاب يحترق لأجلهم، لأنهم في عُرف مجتمعاتنا خلفاء الله على الأرض، ومن يملكون الحقيقة المطلقة المقدسة. ففي الحياة يقررون له ماذا يأكل، وكيف يلبس، وعلى أي جانب ينام، ومتى يَكُح ويَنكَح ويخرِج هواء بطنه. أما بعد الموت فيعدونه بالجنة ليستمتع إذا كان حَبّاباً ومطيعاً، ويهددونه بالشَوي في نار جهنم إذا صار وكيح ولَم يسمع الكلام!
العشيرة والأقارب يريدونه عبداً لتقاليدهم وعاداتهم البالية، وعود ثقاب يحترق لأجلهم ولأجلها، لأنهم في عُرف مجتمعاتنا عزوته البائسة التي إبتلي بأن يولد منتمياً اليها، والتي طبعاً لا يطاله منها أو مِن طشارها غير شرور حسد العيشة والثأر والفصلية والگصة بكصة، وغيرها من السخافات!
الأهل يريدونه عبداً لأفكارهم وقناعاتهم، وعود ثقاب يحترق لأجلهم لأنهم مَن خلفوه، وكأنه هو الذي بعث لهم بخط مصَخّم من العَدَم، وقال لهم إفعلوها وإئتوا بي الى هذه الدنيا، وليسوا هُم مَن قرّروا فعل ذلك لأنها سنة الحياة!
لـذا متى ما بات المرء في مجتمعاتنا حراً، يفكر بحرية، ويتحرك وفـق ما يمليه عليه ضميره وإنسانيته، لا وفق عادات وتقاليد وشرائع مجتمعه، فحينها فقط ستعود الى طبيعتها السَويّة، لأنها ستصبح مجتمعات بشر عقـلاء يعملون لحاضرهم ويسعون لمستقبل أجيالهم، وليس مجتمعات قطعان عبيـد أذلاء يطيعون أسيادهم من سماسرة السياسة والدين طاعة عمياء لخدمة مصالحهم الفردية، ولا مجتمعات أكوام عيدان ثقاب تهفو الى نار هذه المصالح الدنيئة الفاشلة لتحترق بها وتحرق معها كل ما حولها كما يحدث اليوم.

[email protected]