لا حاسلم بالمكتوب
ولا حارضى أبات مغلوب
وحا أقول للدنيا 
أنا راجع ...أنا راجع للمحبوب
...
كانت هذه أغنية عبد الحليم حافظ والتي كفرها الإسلامويون لانها ترفض الاستسلام للمكتوب..
وهذا يذكرني بالفيلم الرائع "لورانس العرب" للمخرج الانجليزي العبقري دافيد لين، وفِي الفيلم يحاول الضابط الانجليزي الشاب تجميع القبائل العربية المتعاركة مع بعضها دائماً (وماشابه الليلة بالبارحة)! وينجح في هذا ويتوجه لفتح عكا لتحريرها من القوات التركية حيث كانت تحت سيطرة الدولة العثمانية، وفي طريقه شمالا في الجزيرة العربية ليلا علي ظهر الإبل سقط خادمه العربي من علي سطح الجمل دون ان تنتبه له باقي أفراد القافلة، وعندما اكتشف لورانس انه فقد خادمه قرر ان يرجع للبحث عنه، ولكن أهله العرب قالوا للضابط الانجليزي ان يتركه يلقي مصيره ونصيبه لانه "مكتوب" وأشاروا الي السماء ، وبالطبع رفض لورانس الاستسلام لل "المكتوب" ورجع وحده يبحث عن خادمه لكي ينقذه من مصيره "المكتوب" وبالفعل وجده مرمي في الرمال فأعطاه المياه والطعام وعاد به ولحق بالقافلة ، وفوجي الإخوة العرب بنجاح لورانس بالرغم من "المكتوب" فنظر لهم لورانس باستنكار وأشار الي راْسه قائلا "مكتوب هنا" "it is written here" في إشارة الي العقل وضرورة استخدام العقل، وعدم الاستسلام للخزعبلات.

وهناك حكاية مشابهة: هاجم إعصار شديد احدي القري الساحلية وكانت هناك تنبؤا ت بحدوث فيضانات شديدة وطلبت السلطات المحلية من جميع السكان بضرورة مغادرة القرية تماما، وكان هناك قسيسا يرعي كنيسة القرية رفض مغادرة الكنيسة أو القرية قائلا : "الرب راعي فلا يعوزني شيء" ثم حضر ضباط الدفاع المدني وطرقوا باب الكنيسة وفتح لهم القسيس فطلبوا منه بضرورة الرحيل معهم لخطورة الوضع فقال لهم: "لا تقلقوا بشأني فالرب راعي فلا يعوزني شيء" ثم اشتد الفيضان وغرقت شوارع القرية وحضر قارب بالقرب من الكنيسة طالبا من القسيس المغادرة ، ولكن القسيس قابلهم بابتسامة اطمئنان قائلا "الرب راعي فلا يعوزني شيء" ، ثم ارتفعت مياه الفيضان حتي غطت الكنيسة بالكامل مما اضطر القسيس الي الصعود الي سطح الكنيسة انتظارا لرعاية الرب، ثم طارت طائرة هليكوبتر فوق القرية لإنقاذ اخر السكان ووجدت القسيس فوق سطح الكنيسة فأسقطت له حبلا لانقاذه من الغرق ولكنه رفض قائلا قوله المعتاد "الرب راعي فلا يعوزني شيء" ، ثم حدث ما ليس منه بد وغرق القسيس، وعند يوم الحساب قابل الرب وقال له وهو متأثر جدا: لقد كنت مخلصا لك طوال حياتي واعتنيت بكنيستك واهتممت بالمصلين اتباعك ،وأمنت بان "الرب راعي فلا يعوزني شئ" فكيف تخذلني يوم الفيضان ولَم تنقذني، فقال له الرب: لقد أرسلت لك انذارا بالرحيل من الكنيسة قبل الفيضان ثم أرسلت لك قاربا ثم أرسلت لك طائرة هليكوبتر ورفضت كل هذا ؟؟ ماذا كنت تتوقع؟

الإيمان بالمكتوب وبان الله بفعل كل شيئ متغلل في عقيدة معظم المتدينين ، وأحكي لكم قصة اخري عن تجربة شخصية عندما كنت مجندا في الجيش المصري، كلفت بمهمة من قبل الضابط الذي كان يراسني، فذهبت ومعي مجموعة من الجنود لكي انهي المهمة في نفس الْيَوْمَ حسب تعليمات الضابط، وبينما نحن في منتصف المهمة هطلت أمطارا غزيرة، وتباطأ العمل قليلا من جانب الجنود، مما دعاني الي ان اشخط فيهم بحدة قائلا : الشغلانة دي لا بد تخلص النهاردة فاهمين ولا لا؟ فانبري احد الجنود المعروف عنه بالفتاكة قائلا : طيب قول ان شاء الله !! فقلت له: ما فيش حاجة اسمها ان شاء الله في الجيش يا عسكري، فيه اوامرو بس ، اشتغل وبطل دلع! ففوجئت بالجندي يقول لي: أنا متظلم منك يا أفندم عشان بتقول ما فيش حاجة اسمها ان شاء الله! 

ومن القواعد العسكرية المعمول بها انه اذا تظلم جندي مني فعلي ان أحوله الي رتبة أعلي مني كي يفصل في هذا التظلم 
فعملا بتلك القاعدة حولت هذا الجندي بالخطوة السريعة جريا الي الضابط الذي كلفني بالمهمة ، وحكي له الجندي مظلمته، فما كان من الضابط ان نهره قائلا : روح يا عسكري يا .... (شتيمة عسكرية لا أستطيع كتابتها هنا) كمل شغلك وضروري يخلص النهاردة زي ما قال لك الشاويش سامي!

ويرجع الجندي خائبا ولكن الضابط استوقفني قائلا (بعد انصراف الجندي) : ما فيش داعي للكلام ده في الجيش يا سامي ، ما تودناش في داهية!

وبالغ الناس في قول (ان شاء الله) فأحيانا تسال شخص طويل عريض عن اسمه، فيقول لك: ان شا الله ( عوضين محمد احمد) فاتعجب هل هو اسمه فعلا عوضين أم انه ينتظر إشارة من الله وبمشيته لكي تخبره عن اسمه الحقيقي والتسليم بالمكتوب (علي عكس عبد الحليم حافظ ولورانس) وانتظار الفرج والمشيئة الإلهية لكي تفعل لنا كل شيئ هو تواكل فظيع وكسل أفظع ، والأفظع منه بل والاشبه به هي نظرية المؤامرة حيث ان معظم العرب والمسلمين مقتنعين بان ارادتهم ليس فقط بيد الخالق ولكنها أيضا بايدي قوي كبري علي الارض ولا قبل لنا بمواجهتها فأحيانا هي بريطانيا وأحيانا أمريكا وكل الوقت هو الموساد الاسرائيلي!

وقد كتبت مرة من عدة سنوات مقالة عنوانها :"عبقرية نظرية المؤامرة" ولا اريد ان اعيدها مرة اخرى، بالرغم من ان التكرار يعلم الشطار!! فاهمين يا شطار؟؟ 
وملخصها ان نظرية المؤامرة هي نظرية عبقرية لانها توكد علي ان أسباب فشلنا وتخلفنا ليس هو كسلنا وفسادنا وتقاعسنا عن الابتكار والابداع والإنتاج ولكن السبب هو الغرب الوحش الذي لا يريد لنا التقدم أبدا لذلك يجتمع يوميا في مكان سري فوق احد جبال سويسرا لكي يخطط ويتآمر علينا المواطن تلو الاخر، كيف نجعل سامي البحيري مهندسا فاشلا لا يتقن عمله، وكيف نتمكن من مساعدة المعلم حسن النجار في عمل باب مخلع، وكيف نقنع سواق قطار الصعيد ان يقوده بتهور لكي يقضي علي عشرات الأرواح ، وكيف نجح الغرب بالتآمر على ملايين العرب وملايين الشبان لكي نقنعهم باننا يجب ان نحارب كل الدنيا وكيف نعمل تنظيم داعش والقاعدة لكي يقتلوا آلاف المسلمين وغير المسلمين ويشوهوا صورتهم، ويفعل الغرب فينا هذا بصفة يومية، واحنا قاعدين يا بيه!! 
اما متى نسترجل ونمسك مصيرنا بايدينا فهذا ايضا مكتوب بإذن الله!!
[email protected]