لابد ان نقر في البداية أن دعوات السيد مقتدى الصدر في بيانه عن تحرير مدينة الموصل كانت حكيمة جدا، وذلك حينما دعا الى "حصر السلاح بيد الدولة، وأن بقائه بيد البعض سيؤدي الى ما لا يحمد عقباه"، و عندما دعا الى "انخراط افراد الحشد الشعبي في المؤسسات الحكومية المدنية والانسانية والثقافية ودمج من يصلح بالقوات الأمنية"، وهذا يمكن استيعابه في مشروع وطني لتوزيع افراد الحشد على القطاعات الرسمية الخدمية والمدنية ومن يرغب تنسيبه من المؤهلين الى الجيش النظامي والقوات الأمنية، ولاشك ان هذه الدعوات ومن خلال برنامج انساني يمكن الاخذ به بجدية التنفيذ حال التحرير الكامل لكافة الأراضي العراقية من دنس تنظيم داعش الارهابي.

ولاشك ان تحرير مدينة الموصل وتحقيق الانتصار العراقي على أشرس قوة ارهابية في العالم بفضل الاندفاع المستميت والشجاعة الباسلة لقوات مكافحة الارهاب والفرق العسكرية والشرطة الاتحادية والبيشمركة والحشد الشعبي والصنوف الهندسية والاستخباراتية واللوجستية، وبالتعاون والتنسيق مع التحالف الدولي برعاية الولايات المتحدة، يعتبر صفحة وطنية بالغة الأهمية لاعادة بناء البلاد من جديد وفق معطيات عراقية انسانية لضمان العيش الكريم لكل المواطنين، ولهذا فان عملية الحفاظ على النصر وإدامة القضاء على الإرهاب وعلى فكره التكفيري تعتبر مهمة شاقة، وكذلك عملية اعادة اعمار المناطق المنكوبة واعادة تأهيل المكونات المجتمعية والمجموعات السكانية المتضررة ايضا تعتبر مهمة صعبة، وتبني استراتيجية لاعادة تأهيل افراد الحشد الشعبي لخدمة القطاعات المدنية والخدمية تعتبر ضرورة ملحة لضمان القوى البشرية العاملة لاعادة الخدمات الأساسية العامة وتأمين المستلزمات الرئيسية للحياة، ولا شك ان المعالجة الفورية لهذه الاحتياجات والمقومات تعتبر ضرورة آنية وعاجلة لابعاد وازالة آثار شبح الدمار على سكان المناطق المدمرة بالسرعة الممكنة.

وتوازيا مع بدء العمل وترسيح الجهود للنهوض بالاعمال المدنية لاعادة الحياة الى طبيعتها في عموم المناطق العراقية المنكوبة، فان الدعوات الحكيمة التي طرحها السيد مقتدى الصدر تلزم الحكومة الاتحادية بدراسة واقرار استراتيجية وطنية لاعادة تأهيل أفراد الحشد الشعبي لضرورات مرتبطة بمرحلة اعادة الاعمار وفترة ما بعد داعش، ومعلوم ان هذه القوات الشعبية لعبت دورا كبيرا في مساندة الجيش والقطاعات الاخرى لاداء المهام العسكرية بفعالية ونجاح تام، وكانت هذه القوات مع البيشمركة ذخرا لقوات الجيش والاجهزة الأمنية لانقاذ العراق من أحلك الظروف التي اوقع فيها بدسائس اقليمية من دول مجاورة تحن احداها لامجادها السلطانية، ومن دول قريبة منها صغيرة ارادت ان تكون بالونا دونكيشوتيا على حساب العراقيين في غفلة من الزمن.

ولغرض رسم استراتيجية وطنية خاصة باعادة تأهيل قوات الحشد الشعبي وضمن اطار اشراف وقيادة القائد العام للقوات المسلحة العراقية ورئيس الوزراء وفق الصلاحيات المخولة له من الدستور الدائم، فاننا نرتأي ان نطرح رؤية باستناد دعوات السيد الصدر من خلال منظور عملي لغرض بلورة استراتيجية متكاملة تؤهل افراد الحشد لاداء مهمات مدنية انسانية وتدعم القوات العراقية النظامية في عين الوقت، وهي كالتالي:

(1) توزيع جميع المتطوعين في قوات الحشد الشعبي حسب شهاداتهم ومؤهلاتهم المهنية على الوزارات والمؤسسات والقطاعات الحكومية المدنية والخدمية و اعادة تأهيلهم وفق برامج و ورش مهنية وثقافية

لازالة اثار العنف والتراكمات السلبية التي لامست حياتهم خلال مجابهتهم لقوى الظلام التي انطوت تحت تسمية تنظيم داعش الارهابي.

(2) اعادة جميع المنتسبين الحكوميين المتطوعين في قوات الحشد الشعبي الى مواقعهم السابقة، واحتساب فترة خدمتهم مضاعفة لاغراض التقاعد، واعادة تأهيلهم وفق ورش وبرامج مهنية وثقافية لازالة اثار العنف والتراكمات السلبية التي لامست حياتهم خلال مجابهتهم لقوى الظلام في تنظيم داعش الارهابي والمنظمات التكفيرية.

(3) الاحتفاظ بالهيكل التنظيمي للحشد الشعبي وابقائه تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، لضرورات الحاجة اليه في حال الغزو والاعتداء الخارجي على البلاد وفي حالات الطواريء والكوارث الطبيعية والصحية.

(4) الحفاظ على قيادة الهيكل التنظيمي المنحل تحت قيادة القائد العام لمتابعة الشؤون والامور الخاصة بقوات الحشد ومنتسبيها ومتابعة نشاطات وأعمال برامج اعادة التأهيل المدني والمهني في بغداد والمحافظات.

(5) تأسيس صندوق تحت عنوان (صندوق التأهيل الشعبي) لضمان تمويل الاستراتيجية الوطنية لاعادة تأهيل أفراد الحشد الشعبي، وبرأسمال لا يقل عن خمسمائة مليون دولار لضمان برامج اعادة التأهيل وفق رؤية مدنية ومنهجية انسانية.

(6) ضمان حق المنتسبين في الحشد بالمنح والسلف الحكومية مع سائر المواطنين للزواج وبناء البيت والسيارة واقامة المشاريع الصغيرة لضمان فرصة العمل وتأمين المورد المالي الاقتصادي، وذلك لضمان مصير هذه الشريحة.

(7) اعادة جميع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة الى الحكومة والى الجيش النظامي والابقاء على هذه الاسلحة في المخازن العسكرية لمجابهة اية ظروف طارئة في المستقبل تهدد العراق، وذلك لضرورات اعادة تشكيل هيكل الحشد في تلك الظروف اذا دعت الحاجة الوطنية والدفاعية اليها.

(8) الغاء جميع المجموعات المسلحة المرتبطة بالاحزاب والمكونات السياسية المشكلة تحت قيادة الحشد الشعبي والتعامل مع منتسبيها وقياداتها الميدانية وفق النقاط الواردة اعلاه لضمان حقوقهم وامتيازاتهم.

(9) تكريم الشهداء وعوائلهم والجرحى والمصابين والمعاقين، وضمان رواتب تقاعدية حسب الاستحقاقات وحسب قوانين مرعية بهذا الشأن، وذلك لضمان مستقبل افراد عوائل الشهداء والمضحين بحياتهم من احل البلاد.

(10) اجراء تحقيق قانوني كامل في اعمال الافراد والمجموعات المحسوبة على الحشد والتي ارتكبت انتهاكات وخروقات بحق الاخرين في مجال حقوق الانسان والسماح للمواطنين المتضررين بتسجيل الدعاوي لدى محكمة مختصة في حال اثبات ذلك وتعويضهم حسب القانون.

هذا باختصار أهم مفردات استراتيجية عراقية وطنية للتعامل مع الحشد الشعبي الذي شارك بفعالية وهمة عالية مع جنود الجيش وقوات الفرق العسكرية النظامية والبيشمركة في دحر تنظيم داعش الارهابي، وبهذه المناسبة نسأل الله ان يديم الانتصار العراقي وان يتحول البلاد الى واحة ديمقراطية نموذجية للعيش الكريم وللبناء والتنمية مع احترام كرامة وحقوق الانسان، وان تتحول الى مصدر اشعاع بكل مكوناته العربية والكردية والشيعية والسنية لتشع منها الانوار الانسانية لانارة المنطقة بحيويتها الحضارية المتميزة، واخر دعوانا الخير والسلام للجميع، والله من وراء القصد.

(*) كاتب صحافي