بسبب الغموض والتناقضات التي تراود مسألة الاستفتاء المطروح باقليم كردستان، فان توضيح الامور والملابسات والاشكاليات التي ترافق العملية باتت ضرورة ملحة، خاصة وان المواقف الرافضة بدأت تتزايد وتتشدد بالتصريحات على النطاقين العراقي والدولي، وتصريحات بيرت مككورك ممثل الرئيس الأمريكي لمكافحة الارهاب تدخل في هذا الاتجاه، لهذا ولغرض استبيان الامور على حقيقتها وبيان المكاشفة الصريحة للمواقف الرسمية والحزبية على صعيد الاقليم، فان الحاجة باتت مسألة ملحة وضرورية للتفسير والاستعلام وكشف المبررات والاسباب الموجبة الداعية الى اتخاذ الدعوة للاستفتاء مع بيان العوامل المساندة للعملية، ان كانت نوايا القيادة الكردية واللجنة العليا حقيقية وصادقة باتجاه اجراء الاستفتاء لاغراض وطنية.

ولأجل استقراء ملابسات هذه الدعوة، وبسبب سياسة الغموض التي يمارسها الحزب الحاكم ورئيسه حول الموضوع، وجدنا ضرورة التوجه الى الحزب الحاكم الثاني بالاقليم الاتحاد الوطني الكردستاني والى شخص نائب السكرتير العام السيد كوسرت رسول علي القائم بمقام السكرتير العام بكامل صلاحيات الرئيس السابق جلال طالياني، وذلك لبيان قضية الاستفتاء باعتبارها قضية مهمة تمهد الطريق للاقرار بحق تقرير مصير الشعب الكردي بالسنوات اللاحقة، ولهذا الغرض نورد الهواجس والمخاطر التالية امام خليفة طالباني لعلنا نجد جوابا شافيا لكل انسان كردي مبينا النوايا الحقيقية للاستفتاء، وهي كالآتي :

(1) عدم الثقة بقرارات ومبادرات الشخصيات الرئاسية للسلطة الكردية وخاصة راعي دعوة الاستفتاء لأن الاغلبية منها مزاجية ومتسمة بالعناد ونابعة من منطلقات شخصية وحزبية وعائلية، ومتصفة بالتقلب الشديد، وللاستدلال على ذلك هو تعطيل برلمان كردستان لأكثر من سنة ونصف دون مسوغ قانوني بأمر مزاجي وثم العودة عنه والأمر باعادة العمل بالبرلمان، وكذلك مسألة صدور قرار الاستفتاء كما تبين في اخر تصريح يبدو أنه نتج عن رد فعل على أحد مواقف الحكومة الاتحادية في لقاءات سابقة لم تبدي فيها اهتماما باراء وفد الاقليم، ولم تبادر الى طرح مبادرات لحل الخلافات العالقة بين بغداد وأربيل، ونتيجة لذلك لجأ الى استخدام ورقة الاستفتاءللضغط على حكومة بغداد، وهذا يعني ان العملية غيرمعدة للانفصال بالأصل وهي مجرد طقطقة للضغط السياسي على بغداد لا أكثر ولا أقل.

(2) مجريات وقائع أسواق الاقليم المرتبطة بمعيشة وحياة المواطنين، كشفت ان عملية الاستفتاء عبارة عن لعبة سياسية غير مدروسة النتائج وغير مهيأة لما سيترتب عليه الوضع قبل التصويت وما بعد اعلان النتائج، وكذلك بينت ان السلطة لم تقم بأخذ أية احتياطات اقتصادية أوغذائية لتأمين الامن الغذائي للمواطنين على مدى نصف سنة او سنة كاملة على أقل تقدير، وأتضح ايضا انها لم تتخذ اية تحوطات مالية لضمان الاستحقاقات والاجور والرواتب لفترة ما قبل وما بعد العملية لفترة لا تقل عن ستة أشهر.

(3) التخوف الشديد من استغلال الاستفتاء لصالح الحزب الحاكم واعادة تدوير ولاية الرئاسة لرئيسه المنتهية ولايته، وادامة نظام الحكم بخدعة وحجة واهية على الشعب بعنوان التهيئة والاعداد للاستقلال وقد تطول المرحلة لربع قرن آخر من الزمن، والخوف الشديد على تشابك مصالح الدولة التركية مع الحزب الحاكم المتحالف مع اروغان وانقرة علىى حاسب موارد وثروات شعب الاقليم، والتخوف والقلق من استثمار الاستفتاء من قبل هذا التحالف غير السوي من خلال تسليم الاقليم بالكامل الى تركيا بعنون دولة قبرص الكردية او تحت عنوان الولاية التركية الجديدة وتنصيب الحاكم الحليف رئيسا عليها.

(4) اتسام عملية الاستفتاء بطابع المغامرة السياسية على حساب مصير الشعب الكردي، قد يفضي الى خسارة العراق وفقدان الاخوة والصداقة الطيبة للعراقيين، وازالة المسند السيادي والمرجع الدستوري للاقليم الفيدرالي، وهذا ما يضع الكرد في مواجهة أخطار مصيرية حقيقية وقد يضعه أمام عواقب قد لا يحمد عقباها، وقد يتعرض الى خسارة وجودية تاريخية ماحقة، وهو في غنى عنها تماما.

(5) المقاطعة المتعمدة والاهمال المتقصد من قبل الرئاسة ورئاسة الحكومة بحق الظروف المعيشية الصعبة والحياتية القاسية التي يمر بها المواطنون وخاصة شريحة الموظفين منهم، تصعب ضمان نجاح عملية التصويت على الاستفاء، وحجب الاستحقاقات والتأخير المتقصد للرواتب بنظام الادخار الحكومي القمعي وتمديد وتطويل دفوعاتها الشهرية المستحقة بحجج واهية ارست نظاما وحكما ظالما وسلطة جائرة تبغي الانتقام من الشعب، وذلك من خلال فرضها لانفرادية مطلقة ودكتاتورية متسمة بالسلطة الحزبية والعائلية والطبقية والمافوية المقيتة، وذلك بدليل ان الحكومة لا تعير أبدا اي اهتمام بالأزمات الحياتية ووالمعيشية التي يعاني منها الانسان الكردي، ولا تعمل من أجل توفير اي حل عاجل لوضع حد لتلك المصاعبوقطع الطريق على تواصلها، علما ان المسؤولية الرسمية والواجب الاخلاقي تقضيان بمحاسبة ومعاقبة المسؤولين والمتسببين لهذه الازمات المختلقة التي أضرت بحياة المواطنين، والتي ألحقت ضررا كبيرا بحاضر ومستقبل الاقليم.

(6) سكوت رئاسة الاقليم على الفساد الرهيب والنهب الشنيع الجاري منذ أكثر من عقدين للموارد والثروات والممتلكات من قبل مجموعات ومافيات حكومية وحزبية وعائلية حاكمة، وخاصة في مجال موارد النفط الكردي والمسوقة منذ سنوات دون شفافية وبغياب كامل للرقابة البرلمانية والحسابية، وهذا الصمت ترسم شكوكا كبيرا على دورها القيادي والرئاسي، وعدم اتخاذ اي اجراء قانوني بحق رئيس الوزراءونائبه المسؤولان عن اختلاق الأزمات وعن ملف الطاقة والنفط والايرادات المالية، دليل على ان عمليات النهب الرهيبة تمارس على مستويات رئاسية وحكومية عاليةوباشراف مباشر منهما.

(7) زيادة الرسوم وفرض زيادات كبيرة على الجبايات المستحصلة من المواطنين من اصحاب الدخل المتوسط والمحدود في شتى المجالات، وترك المسؤولين والاثرياء والاغنياء وطبقة المليونيرات والمليارديرات بأهوائهم ورفاهيتهم وحمايتهم وترك الحرية لهم، وهذه السياسة المقيتة وصمة عار على جبين الرئاسات والسلطة وحكومةالاقليم، وسحق مميت لكرامة المواطنة الكردستانية، والهدر الرخيص للعدل والعدالة والمساواة وتكافوء الفرص شرف مغتصب وحياء منسلخ للحقوق الطبيعية للمواطن الكردي، واستهتار للمباديء الانسانية وتزيف وتزوير للقيم الديمقراطية، واحتضان نظام الحكم الخاسيء للمافوية والطبقية والاقلية الرأسمالية الجشعة المنحلة اخلاقيا وانسانيا اغتصاب واعتداء على الشعب، وعمل شنيع غير اخلاقي للسلطة الفاسدة المارقة الحاكمة التي تتحكم برقاب شعب كردستان.

(8) فشل تجربة الكيان السياسي الفيدرالي للاقليم في تقديم نموذج ايجابي للحكم الرشيد والنظام الديمقراطي النزيه والادارة الحكيمة المتصفة بالعدل والمساواة وتكافوء الفرص واحترام حقوق وكرامة الانسان، وذلك بسبب سيطرة مافيات الحزبين الحاكمين للبرزاني والطالباني واحزاب اخرى على مقاليد امور الحكم والمال والاقتصاد والثروات الطبيعية والمعدنية والموارد والتجارة وكافة القطاعات الخدمية والحياتية، وذلك منذ أكثر من ربع قرن من الزمن الرديء للحكم الكردي.

(9) اصابة الحزب الحاكم ورئيسه بغرور سياسي كبير منذ التربع على رئاسة الاقليم لفترة قانونية من ولايتين وولاية غير شرعية، وذلك بسبب ضمان الحماية من قبل الحكومة التركية مقابل اغراءات نفطية على حساب حقوق الشعب الكردي، وهذا الغرور فاقد للاحتفاظ بالتوازن واتخاذ الموقف الحكيم الصائب واصدار القرارات الموزونة، وخاصة ان قضية مصيرية مثل الاستفتاء وحق تقرير المصير تتطلب الحكمة البليغة والرؤية البصيرة النافذة والحكم الرشيد العادل، وهذه كلها غائبة عن سلطة وحكومة الاقليم.

(10) استقراء طابع المغامرة والمجازفة بمصير الشعب الكردي من الدعوة القائمةللاستفتاء والاستقلال، والاستخفاف والاستهانة بالنداءات الموجهة للسلطة والحكومةمن قبل انصار واتباع الحزب الحاكم، والداعية الى ضمان خزين استراتيجي غذائي ومالي ولمستلزمات حياتية ومعيشية أساسية لضمان حياة المواطنين لفترة لا تقل عن نصف سنة على أقل تقدير، دلت ان السلطة فارغة من جوهرها الوطني، وهي متقصدة تمام القصد بترك مصير شعب الاقليم الى المجهول.

هذا الموجز هو خلاصة للهواجس والمخاطر التي بينناها بوضوح والتي قد يحس بها في صدر كل كردي عراقي مهتم ومعني بمسألة الاستفتاء، وهي مستندة الى معطيات عاجلة واقعية بدأت تؤثر سلبا وبشدة على مجريات أحداث العملية، لذا فان الاقرار الوطني يلزم التسلح بالمسؤولية والعقلانية والحكمة للخروج من مسار ومضاعفات القضية بتأني للوصول الى القرار الحكيم الصائب بتاجيل الاستفتاء او التواصل مع العمل على ضمان الضمانات اللازمة لتأمين وتحقيق الاهداف الوطنية المرجوة وهي تحقيق حق تقرير مصير شعب كردستان العراق، وذلك بتنسيق وتفاهم تام مع الحكومة الاتحادية، ولخليفة طالباني القدرة القيادية العالية على فعل هذا من خلال علاقاته الطيبة والحكيمة مع جميع الاطراف الكردية والعراقية لتمرير الاستفتاء في بودقة سياسية هادئة للخروج منها بسلام وأمان لصالح كل الاطراف، وذلك لضمان الخير النعيم والسلام الأمين لكل الكرد ولكل العراقيين، والله من وراء القصد.

(*) كاتب صحفي