رغم تزايد الإنتقادات المحلية والدولية لعملية الإستفتاء التي يخطط لها مسعود بارزاني وحزبه، فإن الأمور تتجه نحو تنظيمها بموعدها المحدد في الخامس والعشرين من الشهر المقبل رغم الإعتراضات،هذا إذا لم يطرأ تغيير مفاجيء عبر تدخل أمريكي صارم لمنعها.فعادة الدكتاتوريين في الشرق عموما هو صم أذانهم عن سماع صوت الحكمة والعقل،ويتمسكون بمواقفهم بالعناد والتعنت حتى لو دفع الشعب ثمن أخطائهم الفادحة. وقد فعلها صدام من قبل حين عاند وإستكبر ورفض الإنسحاب من الكويت ما أدى الى كل ما نراه اليوم في المنطقة من المآسي والمحن التي تتجرعها شعوب المنطقة،وهكذا الحال مع مسعود بارزاني الذي قال وبصراحة ووضوح"سأجري الإستفتاء وليمت شعبي جوعا"!.

إن مسألة الإستفتاء بالنسبة لبارزاني وحزبه أصبحت وكأنها مسألة حياة أو موت، ولذلك لايتراجعون عنها، ولكن المسألة لاتعدو بنظري سوى لعبة أخرى أو سيناريو آخر أعده بارزاني وحزبه من أجل التغطية على فشله برئاسة الإقليم،وإخفاق إبن شقيقه برئاسة الحكومة،وفشل أعوانه في سياسة النفط المستقلة التي أفقرت الشعب وأوصلته الى الحضيض بقطع رواتب الموظفين لدفع الغرامات المترتبة عليها جراء العقوبات التي فرضتها المحاكم الأوروبية وألزمت بدفعها لشركة (داناغاز) وغيرها من الشركات التي فشلت الحكومة البارزانية من الإيفاء بعقودها.وسيظل الشعب يدفع تلك الغرامات التي تقدر بمليارات الدولارات الى عشرين عاما القادمة،وهذا يعني إستمرار الجوع والفاقة لشريحة كبيرة من شرائح المجتمع وهم الموظفون المعذبون في الأرض.

اللعبة التي يمارسها بارزاني وحزبه باتت مكشوفة، وهي دائما مكشوفة لأن السيناريوهات التي توضع لها إنما يخطط لها أناس أميون لايقرأون ولايكتبون،وأكثرهم من خريجي المدارس الليلية أو من أسواق الهرج وعلاوي المخضرات، ولذلك فإنها تنكشف سراعا،والإستفتاء آخر لعبتهم وسأكشف حقيقتها بهذا المقال.

بعد إنتهاء ولاية مسعود بارزاني طرق كل الأبواب لكي يجددوا له الولاية فلم يوفق،وزين له مستشاروه الحمقى أن يتجه الى مجلس الشورى للتجديد، وكما هو واضح من إسمه فإن هذا المجلس هو للشورى فقط ولا يملك صلاحية إستصدار القرارات،ومنصب الرئاسة يحتاج الى قرار تفويضي من الشعب عبر ممثليه بالبرلمان،ولذلك فإن بقائه بالمنصب حاليا هو فرض النفس بالقوة وخارج إطار القانون.

أما من الناحية الحزبية فإن حزبه وبحكم فشله في إدارة شؤون الحكومة وبسبب سياساته الإقتصادية الكارثية، أصبحت شعبيته تنزل الى الحضيض، وبما أننا مقبلون على الإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة خرج بارزاني وحزبه بهذه اللعبة لإستدرار عطف الشعب ولإظهار نفسه بأنه يحظى بتأييده.

فإصرار بارزاني على هذا الإستفتاء وعزفه على الوتر القومي بتأسيس الدولة المستقلة،هو فقط لأجل أن يقنع العالم وشعوب المنطقة والقوى السياسية بالعراق وكردستان بأن الشعب صوت له وأنه ما زال يتمتع بالشعبية بدليل أن الشعب يقف ورائه ويعلق آماله عليه لتأسيس دولته المنتظرة، وعليه يجب أن لايطلب منه أحد أن يستقيل أو يقال من منصبه لأن الشعب حمله مسؤولية تاريخية بتأسيس الدولة،وأنه هو وحده القادر على تحقيق هذا الحلم، ولأجل ذلك فإنه من المتوقع جدا أن يقوم حزبه بتزوير واسع النطاق لنتائج الإستفتاء حتى لو كانت أصوات(لا) أرفع من أصوات(نعم). ويجب أن لاننسى بأن هذا الحزب تلاحقه تهم ممارسة التزوير بالإنتخابات منذ أول لحظة لإستقلال كردستان عن العراق حين أجريت إنتخابات البرلمان عام 199. وربما ستمتد الى الإستفتاء القادم أيضا. وعملية تزوير الإستفتاء طبعا لايضر أحدا من الأحزاب لأنها ليست إنتخابات برلمانية أو رئاسية حتى تتضرر منها تلك الأحزاب، بل قد يكون هناك من يرحب بها للتلويح بورقة قوية ضد بغداد، وعليه فإن تزوير نتائج الإستفتاء في ظل غياب الرقابة الدولية، وفي ظل غياب أي دور لمفوضية الإنتخابات المستقلة ببغداد وتولي العملية من قبل مفوضية كردستان التي يهيمن عليها وعلى رئاستها أعوان بارزاني، أمر وارد. وحتى لو جرت العملية بإقبال ضعيف ستكون هناك كارتات مزورة تدخل الى الصناديق وسيتم التلاعب بنتائجها من قبل المفوضية المحلية. إذن الأمر محسوم لصالح إستفتاء الـ( نعم) وكما يريد بارزاني وحزبه وسيكون هو الحزب القائد لجماهير الأمة الكردية زورا وبهتانا، ولا أعرف ماذا سيكون موقف العالم من عملية إستفتاء مزورة بهذا الحجم؟

دعونا ننتظر ونرى.