لحل المأزق الذي وضع الجميع فيه بمن فيهم الداعون له بأقل الخسارات والإحراجات، ينبغي أولا تجزئة الحل إلى جزأين مرحلي يبدأ فيه السيد مسعود البرزاني بإعلان انه سيوكل موضوع الإستفتاء الى نواب الشعب ليختاروا الاستمرار فيه او تأجيله، ويدعو كذلك إلى إلتآم مجلس نواب الإقليم – وهو مطلب عدد من القوى الكردية- للبت في هذا الموضوع الحساس لأنه "موضوع يخص الشعب الكردي،وعلى ممثليه إتخاذ القرار المناسب بشأنه" لكن قبل ذلك ان يتم الاتفاق بين الاطراف الكردية على تأجيله الى وقت آخر تكون فيه الأجواء الإقليمية والدولية أنسب ويكون ذلك بإعلان يصدر من مجلس نواب الإقليم. أعرف إن بعض المتعصبين "القوميين" من الجانبين لا يناسبهم هذا الطرح ولا يكترثون لما يمكن أن تجره علينا تصريحاتهم التي تنز كراهية وتطرفا، لكن لا أعدم وجود عقلاء من الجانبين يمكن أن يتداركوا السقوط في الهاوية.
الحل أعلاه هو حل مرحلي للخروج من مأزق الإستفتاء، لكن ينبغي أن لا يبعدنا ذلك عن البحث الجدي عن حل دستوري قانوني يرضي الجميع، ولنبحث بالممكنات. الممكن الأول تطبيق المادة الاولى من الدستور،فثمة خلل بنيوي في بنية النظام السياسي العراقي "الجديد" تتعلق بماهية النظام وشكله وطريقة تطبيقنا ل"الفيدرالية" فيه، ساهمت في بروز خلافات شديدة بين أربيل وبغداد وتضخمها إلى الدرجة التي جعلت القوى السياسية الفاعلة في الإقليم تفكر باللجوء إلى خيار الإنفصال عن العراق.
تنص المادة الأولى من الدستور العراقي على أن "جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" ولو عرفنا (الفيدرالية) بأنها شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة اتحادية ووحدات أصغر (أقاليم،أوولايات)، ويكون كلا المستويين من الحكم معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسم الحكومتان السيادة في الدولة. وتعتبرالأقاليم أوالولايات وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي –دستورها الخاص-الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذيه والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم،أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة الإتحادي -الذي له العلوية على دساتير الأقاليم أو الولايات - بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية أو من إحدى حكومات الأقاليم أو الولايات.ولو أخذنا الصيغة –التي وردت في الدستور- وطبقنا التعريف الخاص بالفيدرالية عليها، لإستنتجنا بدون جهد بأن النظام في العراق لم يكن خلال السنوات السابقة من التجربة السياسية العملية في جمهورية العراق نظاما فيدراليا، بل هو هجين،نظام يتمتع فيه إقليم كردستان بسلطات للإقليم (برلمان وحكومة إقليمية)، في حين ليس للجزء العربي من العراق سلطات إقليمية كما يفترض في النظام الفيدرالي، بل هناك حكومة تسمى "إتحادية" خطأ، تمثل في حقيقتها حكومة لباقي أجزاء العراق خارج إقليم كردستان،يتمتع فيها الأكراد "إسوة ببقية النواب من المناطق خراج إقليم كردستان" بقدرة تأثيرعلى كل ما يتعلق بهذه المناطق، الأمر الذي لا يتمتع فيه نظراءهم من "الجزء العربي" من العراق فيما يتعلق بإقليم كردستان، فليس ثمة سلطات إقليمية للجزء العربي من العراق- كما يقتضي النظام الفيدرالي- بل فيه سلطات يطلق عليها وصف "إتحادية" لا تتمتع بأية سلطات "إتحادية" فيما يتعلق بكردستان، وليس ثمة سلطات "إقليمية" للجزء العربي من العراق كي يستطيع إدارة شؤونه الخاصة، وهذه خلطة غير منسجمة.هذا الخلل البنيوي، جعل سلطات الإقليم تطمح في ممارسة صلاحياتها على وفق ما يفترضه النظام الفيدرالي، وهي تفعل ذلك وتزيد عليها أحيانا، لكنها توجد الذريعة لمواطنيها في حالة حصول إخفاق في أداءها أو مسؤولياتها، فتحيل السبب إلى "السلطات الإتحادية" التي هي ليست "سلطات إتحادية" ولا تتمتع بصلاحيات "السلطات الإتحادية".وما ينبغي عمله لتصحيح هذا الخلل البنيوي هو العمل على تطبيق المادة الأولى من الدستور، وإيجاد مؤسسات دستورية للجزء العربي من العراق، وستحل الخلافات مع إقليم كردستان تلقائيا بمجرد وجود سلطات للجزء العربي من العراق، لأن الإقليمين سيخضعان لمعيار واحد من حيث حصة كل منهما في ثرواته، وصلاحيات سلطاته، ومنافذه الحدودية وعوائدها، وقواه الأمنية، وعلاقتهما ومساهمتهما في السلطات الإتحادية التي ستنبثق من كليهما.والحقيقة إن فكرة إيجاد إقليمين سبق أن دعى لها السيد فؤاد معصوم رئيس الجمهورية، لكنه قوبل بالكثير من الإستهجان وسوء الفهم، ولو حدث ذلك منذ إقرار الدستور الحالي عام 2005 لتجنبنا الكثير من المشاكل التي تنجم من تداخل الصلاحيات الإقليمية والإتحادية.
لتعزيز هذا الحل ينبغي العمل أيضا على إنشاء مجلس الإتحاد، فالمادة (65) من الدستورتنص على ما يلي (يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى ب(مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) وفي هذه المادة عدة اشكالات يقع في مقدمتها اشكال دستوري فقهي، هو كيف لمجلس النواب وهو"مجلس تشريعي" أن يسن قانون بانشاء "مجلس تشريعي" اخر من المتعارف عليه في النظم الفيدرالية،إنه يتمتع بسلطات أعلى من مجلس النواب؟ كما إن القانون غير المادة الدستورية فهو قابل للتعديل وحتى الإلغاء من قبل نفس الجهة التي شرعته بخلاف المادة الدستورية، وعلى هذا الأساس ليس أمام العراق لتعزيز نظامه الفيدرالي والحفاظ على وحدته، غيرطريق واحد لإنشاء مجلس الإتحاد هو عبر تعديل الدستور بما يتناسب مع ما يراد لمجلس الإتحاد، أي أن تدرج مواد "القانون الخاص بمجلس الإتحاد الذي يراد تشريعه" بمواد دستورية بدل القانون المشار اليه في المادة (65) أعلاه، بالإضافة الى التعديلات الدستورية الواجب إجراؤها على عدد من المواد التي لها علاقة بهذا الموضوع حصرا. قد يبرر البعض عدم اللجوء إلى إجراء تعديلات دستورية بسبب صعوبة تعديل الدستور حسب المادة (142) التي تتطلب لإقرار التعديلات الدستورية عدم معارضة ثلثي ثلاث محافظات بالإستفتاء على التعديلات كشرط لإقرارها، وهذا خطأ شائع حتى عند أصحاب الإختصاص من القانونيين والسياسيين، فالمادة (142) تتعلق بعدد كبير من التعديلات تشمل كل مواد الدستور أو أغلبها، كان المفترض-حسب نص المادة- أن يتم الإنتهاء منها في الدورة البرلمانية الأولى، وهي مادة وضعت ضمن عدد من المواد للفترة الإنتقالية،بسبب إقرار لجنة كتابة الدستور حينها، بضرورة إعادة النظر ببعض المواد الخلافية التي كانت تحتاج إلى دراسة مستفيضة ووصول إلى توافق سياسي بشأنها، والمادة الثابتة دستوريا لإجراء أي تعديل على اية مادة دستورية، هي المادة (126) من الدستور. لذا يبدأ الحل بإتفاق الأطراف السياسية على وجوب تعديل المادة (65) الخاصة بمجلس الإتحاد، والمواد الأخرى التي تتعلق بهذا الموضوع حصرا، دون الخوض بتفاصيل تعديل مواد أخرى ليس لها علاقة بهذا الأمر.كي لا يأخذ الموضوع ابعادا أخرى تبعدنا عن تحقيق هدف تأسيس "مجلس الإتحاد" إستنادا إلى نصوص دستورية تحدد طبيعة عمله وكيفية تكوينه وإصلاح بعض الخلل الذي يعتري العملية السياسية، ومعالجة الفراغ السياسي الذي يحدث وقت إجراء الإنتخابات.(يمكن الإستفادة من بعض الأفكارالواردة في مقترح الدستور البديل عن الدستور الحالي الذي كتب من قبل أساتذة قانونيين وعلوم سياسية، والمرفق كملحق في كتابي (العراق- دعوة للتغيير) الصادر من شركة نور للنشر وعلى الرابط (www.morebooks.me))