على مدى يومين انعقد في مدينة السليمانية عاصمة الثقافة في إقليم كردستان ملتقى "الديمقراطية وحق تقرير المصير" بحضور مثقفين معنيين بالمسألة الكردية من الأردن ومصر ولبنان والسودان ناقشوا في أربع جلسات طوال قضية الاستفتاء المثيرة للجدل والمثيرة لكل دول جوار الإقليم التي تتوزع أرض كردستان وشعبها "العراق وتركيا وايران وسوريا" وهو استفتاء ترفضه "ولو لفظياً" كل القوى الدولية المؤثرة، بينما تطالب الأمم المتحدة بتأجيله وخوض مفاوضات مع بغداد للتوصل إلى حل يرضي الطرفين، لكن الواضح حتى اللحظة أن أربيل لن تتراجع وأن الكرد سيقررون مصيرهم من خلال الاستفتاء الذي يهدف لتشكيل دولة كردستان. كان ذلك واضحاً في رد الرئيس مسعود بارزاني على رفض الحكومة العراقية للاستفتاء من حيث المبدأ ورفض فصائل الحشد الشعبي ضم كركوك إلى الإقليم والتهديد باللجوء إلى القوة لمنع ذلك، حيث أكد الطرفان الاستعداد لمواجهة القوة بالقوة فيما يبدو أنه معركة "عض أصابع" في اللحظات الأخيرة التي تسبق الموعد المقرر للإستفتاء.

الوفود العربية المشاركة في الملتقى أجمعت على أمرين أولهما تأييد حق تقرير المصير الذي تضمنه الشرائع الدولية وثانيهما التشكيك بالموعد المضروب للاستفتاء مع قناعة بدت واضحة في اللقاءات الجانبية بأنه لن يجري في موعده مع ملاحظات عديدة رافضة لرفع العلم الإسرائيلي في أربيل والإشادة بالموقف الإسرائيلي المؤيد لانفصال كردستان الجنوبية عن الدولة العراقية باعتباره موقفاً انتهازيا بامتياز ونبه المشاركون العرب ان ذلك يستثير الشارع العربي وإن كان يحظى برضى بعض الحكومات كما نبه المشاركون العرب إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مواقف الدول المحيطة وخصوصا تلك التي تمتلك أذرعاً في الشارع العراقي " إيران والحشد وتركيا والمكون السني" وهي مستعدة حسب ما نسمع من تصريحات للتدخل عسكرياً لمنع إقامة الدولة الكردية مع أن أكثر من مسؤول كردي صرح بأن التصويت بنعم لايعني إعلانها في اليوم التالي.

في أربيل حيث قيادة حزب البارزاني ورئاسة الإقليم والحكومة تنتفي المخاوف من ردود الفعل والتحذيرات الإقليمية، بما فيها موقف واشنطن المتكرر ومطلبها بتأجيل الاستفتاء، ويرد الإقليم بالمطالبة بضمانات دولية مكتوبة للتأجيل، وتسود في أربيل قناعة بان الموقف الإقليمي لن يشهد تحركا معاديا للإقليم وسيظل في إطار الإعلام وأن دول العالم تبحث عن مصالحها وستعترف في النهاية بالأمر الواقع، وهناك يتم استبعاد أن تغلق تركيا وإيران حدودهما مع الإقليم، لأن «لديها مصالح كبيرة وكثيرة في كردستان" كما يقول بارزاني، لكن هناك من يرى غير ذلك ففي السليمانية هناك دعوات للنظر في كل الاحتمالات، فالدول الإقليمية مع بغداد لن تسكت على استقلال الإقليم ولن ترضى بضم كركوك وفرض الأمر الواقع من جانب واحد، وهناك احتمالات للجوئها إلى اثارة المشاكل وإلى تحريك الجماعات الموالية لها، ولدى البعض مخاوف من هجوم القوات العراقية على مدينة كركوك يوم الاستفتاء، ومن هؤلاء برهم صالح القيادي السابق في حزب الطالباني المقتنع بأن القرار الحكيم هو الحوار مع بغداد والدول المجاورة، والعمل مع المجتمع الدولي ليكون استقلال كردستان ضامنًا للاستقرار والرفاهية والسلام، وبما أن "الاستقلال ليس لهذا الجيل فحسب، فشباب هذا البلد والأجيال المقبلة سيعيشون مع نتائج قرار اليوم، ما يحتّم اتخاذ الخطوات بمسؤولية، فالحوار والتفاهم مع شعوب دول الجوار ضروري لإبعاد كردستان اليوم ومستقبلًا عن العنف والحروب"، وفي حين يدعو القادة الكرد أهالي كركوك للتصويت بنعم في الاستفتاء لضمان مستقبل أفضل لمدينتهم، يحذر نشطاء من ان سياسة الأمر الواقع من قبل الكرد في كركوك ستكون فتيل حرب مؤلمة وربما طويلة وتتسع لتشمل مناطق أوسع خارج كركوك في ظل الطموحات التركية والإيرانية. وهكذا نر ى أن الساحة الكردستانية تشهد جدلاً بين التاجيل والالتزام بالموعد حتى لو تحول لاحتفالية، المقتنعون بالتأجيل يرون ان ذلك بات ضرورة حاليا بسبب الوضع الداخلي أما الملتزمون فيرون أن ذلك يعد مطلبا وطنيًا بعد فشل بغداد في تنفيذ بنود الدستور وقبول الكُرد كشريك اساسي في العراق. 

ثمة من يقول "حركة التغيير والجماعة الإسلامية" إن هم البارزاني هو البقاء على رأس السلطة باعتبار أن مصالح كُردستان العليا تكمن في استمراره في أداء مهامه، في حين يعتبر البارزاني طلب تأجیل الإستفتاء لعبة مخططة ومؤامرة مفبركة لاأقل ولاأكثر، ويرى بأن الفرصة التاریخیة للإنفصال باتت مھیئة في ظل المتغیرات الخارجية على المنطقة والانقسامات والخلافات الحادة في أوساط الحكم العراقية، 

في الإطار العام ثمة العديد من الأسئلة سواء في العراق أو في المنطقة عموماً، وهي لا تتعلق بالمخاوف من أن يفتح ذلك الإجراء الأبواب أمام تقسيم العراق، بقدر ما تطرح أسئلة أهمها لماذا التركيز على كرد العراق، وتجاهل كرد سوريا، ومدى الصحة في مُعالجة المسألة الكردية دون ملاحظة عميقة للاستراتيجيات الدولية، وتوجهاتها، بخصوص العراق وسوريا وتركيا وإيران. وهنا يتوقع كثيرون أن لا يُحقق انفصال الكرد دولة الرخاء والاستقرار، والاحتمال شبه المؤكد، هو التأسيس لنزاعات وتناحرات، ذلك أن الانفصال وتأسيس دولة الكرد سيفتح الطريق أمام صراعات جديدة، مذهبية وطائفية، تعم المنطقة بأسرها، كما أن على أربيل إجراء دراسة معمقة للتوجهات الاستراتيجية للقوى الكبرى، بخصوص العراق وسوريا. وملاحظة أن واشنطن ليست معنية كثيراً بحق تقرير المصير، ووعي أن طرق تحقيق الاستفتاء ليست سهلة، فهناك معوقات داخلية وإقليمية ودولية، فضلاً عن الاختلافات الكردية حول توقيت الاستفتاء، إضافة إلى أن الدولة العتيدة ستكون بلا حدود بحرية، ومشكلات أخرى كثيرة ليس أقلها عدم وحدة اللغة بين المناطق المقترحة لتكوين تلك الدولة.

 يجمع المراقبون على أن كركوك برميل البارود الذي قد ينفجر ويدمر العراق، إذا اسيئ التعامل معه من قبل ساسة العراق وقد فتحت أزمة كركوك، شهية بعض المتصيدين في الماء العكر، إلى إطلاق سيل من التصريحات والتهديدات لقيادة الإقليم بعواقب الاصرار على ضم كركوك والمناطق المتنازع عليها إلى الاستفتاء، في حين يواصل البارزاني تحشيد الشارع الكردي وشده نحو المشاركة في الاستفتاء، من خلال إظهار عيوب الدولة العراقية منذ تأسيسها وإساءة تعاملها مع حقوق الكرد، مشدداً على حقهم في إقامة دولتهم التي تضم كركوك ومناطق أخرى. والمدهش هنا أن غالبية العراقيين يقرون بحق الكرد في تقرير المصير وإقامة دولتهم، لكنهم يتفقون أيضاً على أن قرار التقسيم صعب وأن انفراد الكرد بالقرار وتقرير مستقبل مناطق تتمتع بتعقيدات وحساسيات مفرطة يبدو في غير محله ووقته وينقصه الكثير من التروي والحوار.

 على هامش ملتقى الديمقراطية وحق تقرير المصير أثيرت أسئلة تتعلق حول ما بعد الاستفتاء والمعركة التي ستدخلها الدولة الوليدة لنيل الإعتراف والقبول من دول الجوار والمجتمع الدولي. وهل سيكون مصيرها مشابها لمصير جنوب السودان أم مصير مونتفيديو وجمهورية التشيك، ويتفق الجميع أن هناك أمة ذات خصائص حضارية وثقافية ولغوية وتاريخية عاشت عبر العصور في رقعة جغرافية موحدة وحافظت على تميزها عن بقية شعوب المنطقة التي تعاملت معها وهي أمة الكرد المقسمة اليوم بين أربع دول ويشكلون أقلية في كل واحدة منها. 
تاريخياً تباينت تحالفات الكرد بحسب مصالحهم فقد تم التحالف مع شاه إيران ضد نظام البعث فيما دعمت سوريا كرد تركيا قبل أن تضطر دمشق لإخراج أوجلان من أراضيها ليتم اعتقاله فورا في كينيا. أما بعد عام 1991 والانتفاضة الشاملة ضد صدام حسين بعد هزيمته في الكويت، تحرك الجيش العراقي لقمع هذا التمرد كما قمع تمرد الشيعة في الجنوب، فكانت النتيجة أن هرب ملايين الكرد باتجاه إيران وتركيا. وبعد قرار مجلس الأمن 688 عاد المهجرون إلى ديارهم ليتمتعوا بحكم ذاتي واسع، وبدأ الإقليم بتطوير وتسليح وتنظيم قوات البيشمركه لإعدادها لتكون نواة الجيش الكردي المقبل للدفاع عن الإقليم. وبعد سقوط نظام البعث بات الكرد مكونا أساسيا من قيادات ما بعد عهد صدام.

وبعد، فإن المعروف أن الاستفتاء يتم بإحدى وسيلتين، إما طوعي يفضي إلى الانفصال السلمي وإعلان استقلال الدولة المنفصلة كما حصل في مونتينيغرو وتشيكوسلوفاكيا السابقه. أو استفتاء لأقلية مضطهدة جاء نتيجة حروب وتمردات وكفاح طويل توج أخيرا بالاستقلال. كما حصل في انفصال أريتريا عن اثيوبيا وتيمور الشرقية للانفصال عن أندونيسيا واستفتاء جنوب السودان فقد جاءت كلها بعد حروب ومجازر وصراعات مسلحة استمرت عشرات السنين. وهنا يتوجب البحث عن أجوبة للعديد من التساؤلات وأبرزها عن وجود اقتصاد وطني للدولة الوليدة يضمن استمرارها ورفاهية شعبها وهل تساهم دول الجوار في مساعدتها على التقدم وفي حال تعرضها لعدوان هل هي قادرة على الدفاع عن نفسها وأخيراً هل يقبل الشعب العراقي بانفصال جزء من وطنه دون أن يشمل الاستفتاء جميع المواطنين.