كاميكازه، وتعني رياح الآلهة، اشتهرت هذه الكلمة في أربعينيات القرن الماضي، بعد هجوم الطيارين الانتحاريين اليابانيين على السفن الأمريكية في بيرل هاربر، ويرجع تاريخها الحقيقي لعام 1284. وقد كان شعب اليابان يؤمن، وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية وصدور الدستور، بأن شعب اليابان وأرضه وإمبراطوره ترجع جذورهم لآلهة الكامي. وفي القصة التاريخية لليابان، كوجيكي، والتي صدرت في عام 721، يرجع الكاتب بدأ تاريخ اليابان المعروفة اليوم لعام 660 قبل الميلاد. ويسرد هذا الكتاب أسطورة بدأ اليابان بزواج أحفاد آلهة الشمس ازنامي وازناجي، مما نتج عن زواجهما ولادة أرض اليابان. واستمرت أبنتهما إلهة الشمس برعاية اليابان منذ ذلك الحين.
ويعتبر الشعب الياباني بأن الكاميكازه هي رياح الآلهة التي حمت جزرا ليابان من الغزاة منذ عصور طويلة. ومن المعروف في التاريخ الياباني بأن جنكيزخان حاول غزو اليابان عدة مرات. وتكررت المحاولة في القرن الثالث عشر بقيادة حفيده المعروف بكابولي خان. ففي عام 1281 تحرك كابولي خان من الصين لغزو اليابان، وقد حمل أسطوله، المكون من أربعة الآلف وأربعة مائة سفينة، مئات الألوف من الجنود المجهزين بأحدث الأسلحة في ذلك الوقت. فوصلوا لليابان وحاولوا السيطرة عليها، ولكن جيوش السموراي حاربوا ببسالة لمنعهم. والغريب في الأمر بأن أستيقظ الشعب الياباني في صباح أحد الأيام، واكتشفوا اختفاء جميع سفن المغول فجأة. وكان التفسير التاريخي لهذا الاختفاء بأن الكاميكازه، رياح الآله، قد أنقذت اليابان من الأسطول المغولي.
وقد قرر البروفيسور الياباني كنزو هاياشيدا، أستاذ علم التاريخ والأثار، أن يدرس صحة أسطورة الكاميكازة. فشكل فريق في الثمانينيات لدراسة تاريخ هجوم المغول على اليابان عام 1284. ولم يكن يعرف من أين يبدأ، فهناك الآف الكيلومترات من الشواطئ والبحار بين اليابان والصين. وقد علم وبالصدفة، بأن صياد ياباني قد أكتشف ختم خشبي قديم على شواطئ اليابان الغربية. فقرر البروفيسور أن يسافر مع فريق متخصص إلى المنطقة لاكتشاف أسرار هذا الختم. وقام الفريق بدراسة هذا الختم القديم، ووجدوا بأن الكتابة المنقوشة عليه هي كتابة مغولية.
وبداء البروفيسور مع فريقه البحث عن أثار سفن المغول في هذه المنطقة. فقاموا بجهد كبير للغوص في قاع البحر وشطف جميع الأحجار والرمال. ومع الأسف لم يكتشف الفريق أي أثر لتلك السفن، ولم ييأس الفريق، فأستمر في البحث حتى وجد في قاع البحر قطعة خشبية قديمة. وتبن بعد أجراء التحاليل المخبرية اللازمة، بأن هذه القطعة قديمة جدا ومن صنف الأخشاب الصينية. وقامت المختبرات اليابانية بدراسات دقيقة لاكتشاف تاريخ هذه القطعة الخشبية، فقدروا العلماء بأن تاريخها يرجع للقرن الثاني أو الثالث عشر.
وبعد بحث متواصل، أكتشف الفريق عدة قطع أخرى من أعمدة نفس السفن وبأحجام كبيرة. وأستغرب الفريق حينما أكتشف بأن جميع هذه القطع الخشبية تأخذ وضعا متشابها في قاع البحر. وبعد الدراسة المتأنية والبحث، استنتج العلماء حقيقة غرق الأسطول المغولي في هذه المنطقة من البحر. والسؤال المحير الذي حاولوا خبراء الآثار الإجابة عليه هو: ما سبب غرق هذا الأسطول الكبير، والذي لم يرجع أي من سفنه إلى الصين؟
وقد قام فريق ياباني متخصص في الطوفان، مع كبار الأساتذة في الجامعات الأمريكية، بدراسة تاريخ الطوفان في هذه المنطقة، ومنذ سبعمائة عام. واستخدموا لذلك برنامج جهاز آلي متخصص. فاكتشف الفريق لتعرض المنطقة لطوفانات متكررة، في شهر أغسطس من كل عام، تصل سرعتها لأكثر من مائتين كيلومتر في الساعة.
واستنتج البروفيسور أخيرا بأن المغول رسوا بأسطولهم على شواطئ اليابان الغربية ونزلوا في جزيرة هنشوا. وتعرضوا لهجوم مضاد من سموراي اليابان، فتراجعوا إلى سفنهم. وفي منتصف إحدى الليالي المظلمة، بداء فجأة طوفان شديد ودمر جميع الأسطول ولم يبقى في صباح اليوم التالي أي أثر للسفن ولا للجنود.
حاولت عزيزي القارئ عرض هذه الحادثة لأوضح كيف يراجع الشعب الياباني تاريخه، ويصحح أخطاء هذا التاريخ بموضوعية، وبدون تدخل رجال الدين في معرفة هذه الحقائق. ومن المعروف بأن هناك خلاف تاريخي في اليابان بين فريقين. الفريق القديم الذي يؤمن بكل ما جاء في قصة الكوجيكي كحقيقة إلاهية، وفريق أخر يعتبر كثير من هذه القصص أساطير غير واقعية، ولكن يمكن الاستفادة من حكمها. ونلاحظ كيف تعامل الشعب الياباني بحكمة وموضوعية علمية مع هذه الخلافات التاريخية. فدرس العلماء هذا التاريخ، وحاولوا الوصول لإجابة علمية لما حدث.
وقد كنت أتمنى أن ندرس خلافاتنا التاريخية التي مضى على أحداثها أربعة عشرة قرنا، دراسة علمية متخصصة، لنكتشف الحقائق ونتعلم منها، ولنبدأ معا يد بيد وكفريق واحد، لبناء المستقبل. وطبعا لم تتطور البشرية إلا حينما تداخلت الأفكار ونوقشت الخلافات في الرأي، وتحمل البشر اختلافات بعضهم البعض، ليصلوا إلى أرضية تصالحيه مشتركة، ليستطيعوا أن يكملوا التنمية البشرية في الفكر والعلوم والاقتصاد. وبالحوار نتحول من ساحات القتال والدمار إلى ساحات الأعلام والبرلمانات،
لنناقش الأفكار ونستفيد من تطويريها. وبتعارك الأفكار وامتزاجها تقدمت الحضارة الإنسانية وترعرعت على مر العصور.
لقد خلق الخالق، جلت عظمته، هذا العالم بالإنسان والطبيعة، وأعطاه العقل ليقرر كيف سيتعامل مع هذه الطبيعة. فالإنسان جسم وعقل ونفس وروح، وتربط الروح الإنسان بحقائق غير مادية كحقيقة سر الكون وخالقه، وحقيقة ما بعد الموت. ولقد طرحت الأديان حقيقة الإنسان والطبيعة والتفاعل بينهما، والحياة والحساب بعد الموت. وقد درس العلماء العقل المعقد وطريقة تفكيره، وذكاء الإنسان الذهني، وذكاءه في التعامل مع عواطفه، وذكائه في التعامل مع الآخرين، بالإضافة للذكاء الروحي. فما هو الذكاء الروحي وما أهميته في هذه المرحلة من تاريخنا الشائك؟ ولنا لقاء.