إن قوى التغير في نضالها من اجل الديمقراطية قد تواجه أحيانا أوضاعا سياسية معقدة تستدعي منها التكيف مع المعطيات والتحلي بالمرونة السياسية اللازمة، وبالنسبة للعراق فان قوى المعارضة الوطنية، بمختلف مدارسها وهوياتها، كانت طوال العهد الملكي متشددة أكثر من المطلوب. وحين كانت هذه الحكومة او تلك تتخذ تدابير ايجابية، فان المعارضة كانت تواصل مواقفها المتشددة من الحكام. فمجلس الأعمار اعتبروه مجلس الاستعمار والإقطاع رغم انه أقام مشاريع أروائية هامة ووضع أسس قيام أول جامعة عراقية وفي منتصف الخمسينات أصدرت الحكومة قانون المشاركة في الأرباح النفطية، ولكن المعارضة اعتبرت ذلك لاشيء وراحت تطالب بالتأميم الشامل الذي لم تكن ظروفه ملائمة في العراق بعد تجربة مصدق وكان بإمكان الشركات خنق العراق ماليا وبتروليا. وفي بداية التحرك الشعبي المصري ضد حكم مبارك والذي نشط فيه الأخوان المسلمين مع الشباب اليساري والناصريين كانت القوى والشخصيات العلمانية تتجنب إيراد مصطلح (العلمانية) فطرحت شعار (من اجل دولة مدنية) وسرعان ما تلقف الأخوان هذا الشعار وأضافوا اليه ما أرادوا وصار ( من اجل دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية) وهو الشعار المناسب لهم.
ومضى من كانوا يسمون (الشباب الثوري ) لينسقوا مع الناصريين، مع مرشح الأخوان للرئاسة&
ضد الرجل العلماني النزيه احمد شفيق ونعرف النتائج، حتى انتفض الشعب لحسن الحظ بدعم من الجيش وأزاح حكم الأخوان، بعد ان كان قد كشف كل أوراقه وكشّر عن أنيابه...
اجل المرونة السياسية مطلوبة ولكن لها حدوداً وضوابط وإلا آدت الى عكس المنشود. وفي الأسابيع الأولى من التحرك الشعبي السوري وتسلل جبهة النصرة القاعدية الى المعارضة، كتبت أكثر من مرة الى وجوب ان تحذر المعارضة الوطنية الديمقراطية من إعطاء صك حسن الضن بهذه المنظمة ولا بالإخوان المسلمين لأنهم سيكونون في المعارضة كالطابور الخامس... ولكن الأمور سارت بما ليس هو مطلوب.. وهكذا فان المرونة في غير محلها تنقلب الى عكسها، كما حدث أيضا في الحركة الشيوعية العراقية عام 1964 فيما عرف بأزمة (خط آب) وهو ما سنكرس له مقالاً خاصاً.